Wednesday, December 14, 2022

شرح معلقة عنترة بن شداد العبسي

شرح معلقة عنترة بن شداد  العبسي

إنّ عنترة نظم معلقته بعد أن نال حريته من العبوديّة، واعترف أبوه به ولدًا له، كما قيل إنّ رجلًا من عبس قد شتم عنترة وعيّره بأمّه وبانّه عبدٌ أسود، فبدا عنترة يقول الشعر مفتخرًا بنفسه وببسالته وبشجاعته وفروسيته متحدّيًا كل خصومه، فكانت هذه الأبيات من أجمل ما قيل في الشعر العربيّ والجاهليّ، وقد بدأها بوصف حبّه لابنة عمّه عبلة.

الأبيات 1 – 5

1.       هلْ غادرَ الشُّعراءُ منْ متردَّم               أم هلْ عرفتَ الدارَ بعدَ توهمِ

2.       يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي                    وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي

3.       فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّها فَدَنٌ            لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ

4.       وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُنا                   بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ

5.       حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ               أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَم 

يبدأ عنترة قصيدته بالسؤال عن حال الشعراء الذين لم يتركوا موضعًا لكتابة الشعر إلا كتبوا به ووصفوه ثم انتقل ليتساءل عن معرفته بدار حبيبته بعد شكّه بها، وطلب من ديار المحبوبة أن تتكلم وتخبره عن أهلها وما فعلوا في كل تلك الأيام، ووقف بعدها عن استخباره وسؤاله وألقى عليها التحيّة فقال: طاب صباحك وطاب عيشك وسلمت يا ديار الأحبّة، وتابع في الحديث عن ديار الحبيبة فقال أنّه حبس ناقته فيها، وشبّه ناقته بالقصر، وقال إن حبسه الناقة كان وقوفًا في ديار المحبوبة من أجل قضاء حاجته من البكاء عليها، والحزن على أيام وصالها، ثم قال بأنّ عبلة وأهلها نزلوا بموضع يدعى الجواء، أمّا أهله فنزلوا بمواضع تدعى الحَزن والصماء والمتثلم، ورجع بعدها لتحية الأطلال وبأنّها قد قدم عليها العهد بعد أن خلت من أهلها كلّ ذلك الزمن وكان من بين أهلها محبوبته عبلة،

الأبيات 6 – 12

6.       حَلَّت بِأَرضِ الزائِرينَ فَأَصبَحَت          عَسِراً عَلَيَّ طِلابُكِ اِبنَةَ مَخرَمِ

7.       عُلِّقتُها عَرَضاً وَأَقتُلُ قَومَها                  زَعماً لَعَمرُ أَبيكَ لَيسَ بِمَزعَمِ

8.       وَلَقَد نَزَلتِ فَلا تَظُنّي غَيرَهُ                    مِنّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَمِ

9.       كَيفَ المَزارُ وَقَد تَرَبَّعَ أَهلُها                   بِعُنَيزَتَينِ وَأَهلُنا بِالغَيلَمِ

10.   إِن كُنتِ أَزمَعتِ الفِراقَ فَإِنَّما              زُمَّت رِكابُكُمُ بِلَيلٍ مُظلِمِ

11.   ما راعَني إِلّا حَمولَةُ أَهلِها                     وَسطَ الدِيارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمخِمِ

12.   فيها اِثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً                   سوداً كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ

ثم يوجه عنترة الكلام لمحبوبته بأنّها قد نزلت بأرض أعدائه، فأصبح طلبها صعبًا جدًا عليه، ثم قال بأنّه أحبّها فجأةً ومن غير قصد منه، وكان ذلك من نظرة واحدة نظرها لها فكانت كافية بأن يشغف بها حبًّا، وكان ذلك على الرغم من قتاله وصراعه مع قومها، كما كان طامعًا بوصالها في خضمّ كل ذلك القتال والعداء وهذا طمع ليس في موضعه، وتابع في وصف حبّه لها بقوله أنّها نزلت في قلبه منزلة المحبّ المكرم، ولتكن متيقنة من ذلك وألا يخطر لها أن تظنّ غيرهن ثم تساءل عن طريقة ليزورها بها وقد أقام أهلها وقت الربيع بموضعين وأقام أهله في موضع بعيد عنها، وبين المواضع مسافة كبيرة ومشقّة في السفر، ثم قال لها إن كانت قد اعتادت الفراق ووطّنت نفسها عليه، فإنّه قد شعر بذلك عندما غادرت، ولم ينذره برحيلها في ذلك الوقت إلا انقضاء مدّة الكلأ والانتجاع فصارت إبلهم تستفّ حي الخمخم في وسط الديار، وقد وصف قافلة أهلها عندما غادروا بأنّه كان فيها اثنتان وأربعون ناقة سوداء، وهذه النوق الغالية الثمن هي دليل على ثراء أهلها.

الأبيات 13 – 19

13.   إذ تستبيكَ بذي غروب واضح            عذبٍ مقبلهُ لذيذُ المطعم

14.   وكأَنَّ فَارَة َ تاجرٍ بقسيمَة ٍ                    سبقتْ عوارضها اليكَ من الفمْ

15.   أوْ روْضَة ً أُنُفاً تضمَّنَ نبتَها                  غيْثٌ قليلُ الدِّمن ليسَ بمَعْلَمِ

16.   جادَت عَليهِ كُلُّ بِكرٍ حُرَّةٍ                     فَتَرَكنَ كُلَّ قَرارَةٍ كَالدِرهَمِ

17.   سَحّاً وتسْكاباً فَكلَّ عشيَّة ٍ                   يجري عليها الماءُ لم يتصرَّم

18.   وَخَلا الذُبابُ بِها فَلَيسَ بِبارِحٍ               غَرِداً كَفِعلِ الشارِبِ المُتَرَنِّمِ

19.   هَزِجاً يَحُكُّ ذِراعَهُ بِذِراعِهِ                    قَدحَ المُكِبِّ عَلى الزِنادِ الأَجذَمِ

ثم يصف عنترة محبوبته وجمالها، وشبّه رائحتها برائحةالمسك، كما شبهها بالرّياض التي لم ترعى فيها المواشي بعد، بخضرتها وجمالها وقد أمطرت على هذه الرياض أمطار متواصلة لا انقطاع حتى تركت حفر من المياه كأنّها دراهم في استدارتها وصفائها وبياضها وقد استوطنها الذباب وبدأ صوته فيها كصوت غناء شارب الخمر.

الأبيات 20 – 21

20.   تمسي وتصبحُ فوق ظهر حشيةٍ          وأبيتُ فوق سرَاة ِ أدْهم مُلْجَم

21.   وحشيتي سرجٌ على عبل الشَّوى         نَهْدٍ مَراكِلُهُ نَبيلِ المحزِمِ

ثم يتابع فيقول إنّها أيّ حبيبته تنعم بالنوم الهانئ وهو يكابد عناء الحروب والأسفار، وأنّه يستوطن ظهر فرسه غليظ القوام ضخم الجنبين كما يستوطن غيره حشية الثياب .

الأبيات 22 – 27

22.   هل تبلغنى دارها شدنية                       لُعِنتْ بمَحْرُوم الشَّرابِ مُصرَّم

23.   خَطّارَةٌ غِبَّ السُرى زَيّافَةٌ                     تَطِسُ الإِكامَ بِوَخذِ خُفٍّ ميثَمِ

24.   وكأنما أقصُ الإكام عشيةً                   بقريبِ بينِ المنْسِمين مُصلَّم

25.   تأوي له قلصُ النَّعام كما أوتْ            حزقٌ يمانية ٌ لأعجمَ طمطمِ

26.   يتبعنَ قلة رأسهِ وكأنهُ                          حِدْجٌ على نعْش لهُنَّ مخيَّمِ

27.   صَعلٍ يَعودُ بِذي العُشَيرَةِ                     بَيضَهُ كَالعَبدِ ذي الفَروِ الطَويلِ الأَصلَمِ

ثم يقول عن ناقته هل تراها ناقة شدن ستبلغه ديار المحبوبة، وهي ناقة قويّة على الأسفار ثم يتابع في وصف الناقة قائلًا بأنّها ناقة نشيطة ومرحة على الرغم من أنّها قد سارت معه الطريق كلّه، وقد شبّه سرعتها بسرعة الظليم الذي تأوي إليه النعام كما تأوي إلى راعٍ أعجمي إبلٌ يمانيّة، فشبه سواد الظليم بسواد الراعي الأعجمي، فجعلت هذه النعام الظليم نصب عينيها ولم تعد تنحرف عنه، ثم شبهه بهودج النساء أيّ كالخيمة على مكان مرتفع، وشبّه هذا الظليم بعبد أسود يلبس الفرو وليس له أذن فليس للنعام آذان، وكان هذا الفرو هو الجناحين.

الأبيات 28 – 33

28.   شَربتْ بماءِ الدُّحرُضينِ فأَصْبحتْ     زوراءَ تنفرُ عن حياض الدَّيلم

29.   هِرٍّ جَنيبٍ كلّما عطفتْ لهُ                    غضبى اتقاها باليدين وبالفم

30.   بَرَكَت عَلى جَنبِ الرِداعِ كَأَنَّما              بَرَكَت عَلى قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ

31.   وَكأَنَّ رُبّاً أَو كُحَيلاً مُعقَداً                      حَشَّ الوَقودُ بِهِ جَوانِبَ قُمقُمِ

32.   ينْباعُ منْ ذِفْرَى غَضوبٍ جَسرَة ٍ        زيافة ٍ مثل الفَنيق المُكْدَمِ

33.   إنْ تغدفي دوني القناع فانني                طبٌّ بأخذ الفارس المستلئم

ثمّ يعود الشاعر  لوصف ناقته بأنّها شربت من ماء هذا الموضع فأصبحت نافرة تميل عن مياه الأعداء، فالعرب تسمي أعدائها بالديلم لأنّ الديلم من أصناف أعدائها، وكأنّ ناقته تتنحى إلى جانبها الأيمن وذلك لفرط نشاطها في السير فهي لا تستقيم في سيرها ، وتبتعد مخافة أن يضربها بالسوط، ويتابع في وصف الناقة فيقول بأنّها إذا بركت صدر عنها أنين فكان صوت أنينها كصوت القصب المكسور الذي يُصدر صوتًا إذا برك شيء عليه، كما شبه العرق الذي يسيل من رأسها وعنقها بالقطران الذي يتقطر من قمقم يغلي على النار، وعرق الإبل لونه أسود لذلك شبهه به، وشبه رأسها بالقمقم لصلابته، ويتابع فيقول بأنّ العرق ينبع من خلف أذن الناقة، وبأنّها ناقة غضوب وتتبختر في سيرها كأنّها فحل في وثاقة خلقها وضخامتها.

الأفكار الرئيسة في معلقة عنترة

منها: الاعتراف باستغراق الشعراء لكثير من المعاني البلاغية. الوقوف على الأطلال والبكاء عليها. الدعاء بالسقيا لديار المحبوبة. تذكُّر يوم رحيل المحبوبة وأهلها. ذكر أماكن إقامة المحبوبة وإقامة قومه. ذكر محاسن المحبوبة.

الصور الفنية في معلقة عنترة

ومن أبرزها:

§        ’ وَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّها فَدَنٌ ’ شبّه الناقة بالقصر من حيث الضخامة، ذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ولكنّه لم يذكر وجه الشبه، فالتشبيه هنا مُجمَل.

§        ’فيها اِثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً سودًا كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ’  شبه النوق بريش الغراب الأسود، ذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ولكنّه لم يذكر وجه الشبه، فالتشبيه هنا مُجمَل.

§        ’وَكَأَنَّ فأرَةَ تاجِرٍ بِقَسيمَةٍ سَبَقَت عَوارِضَها إِلَيكَ مِنَ الفَمِ’  شبّه الشاعر ثغر المحبوبة بفأرة العطّار وهي الأداة التي يرش فيها العطر، ذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ولكنّه لم يذكر وجه الشبه، فالتشبيه هنا مُجمَل.


No comments:

Post a Comment