Thursday, January 30, 2014
Wednesday, January 29, 2014
ملخص "موسم الهجرة"
ملخص "موسم الهجرة الى الشمال"*
الفصل الأول:
بعد سبع
سنوات قضاها لغرض الدراسة في أوروبا, يعود الراوي – مجهول الاسم
– إلى قريته ( ود حامد) الواقعة قرب نهر النيل في السودان وذلك بعد أن أصبح
مستوعبا لعادات واجواء الشعب البريطاني. لم يشعر الراوي بالراحة في بادئ وصوله
القرية ولكن سماعه لأصوات الحمام وصوت الريح وهي تداعب اشجار النخيل جعلته يشعر
بالهدوء والدفء. وبعد يوم من عودته لقريته وعندما كان يتناول الشاي مع والديه,
تذكر الراوي رجلا في متوسط العمر لم يألف وجهه من قبل كان يقف بين الجموع
المستقبلة صامتا وعند سؤال الراوي لوالده عن هوية هذا الشخص , رد الوالد بأنه (
مصطفى سعيد) وهو غريب انتقل للعيش في ( ود حامد) قبل خمس سنوات وقد اشترى ( مصطفى)
مزرعة وتزوج ابنة محمود ولكنه ظل منعزلا ولا أحد يعرف عنه الكثير.
وقد تذكر
الراوي انه رأى ( مصطفى) بين الحشود التي دفعها الفضول لسؤال الراوي القادم
من بلاد الغرب اسئلة عديدة عن انجلترا, كانوا يريدون معرفة الطقس هناك وكيف يحصل
الناس على المال, وهل الاوروبيون لهم سلوكيات غير اخلاقية ام لا. أجاب الراوي عن
اسئلتهم بقوله أن الأوروبيين مثلهم مثل القرويين في كل مجالات الحياة فهم ينجبون
ويحبون ويعملون ولديهم اهداف, وكان الراوي يرغب في أن يشرح أكثر للقرويين عن صفات
الاوربيين ولكنه لم يفعل ظنا منه ان القرويين ليس أذكياء بشكل كافٍ ليفهموا قصده.
وعلى طول
الجموع كان صمت ( مصطفى) وابتسامته الغامضة مصدرا استفزاز واثارة اعصاب الراوي.
بعد ذلك نسى الراوي أمر(مصطفى) لينشغل في زيارة كل عائلة في القرية لتهنئتها
بأخبارها السارة او تعزيتها في حال فقدان احد افرادها اثناء سفره وقد زار الراوي
أيضا شجرة الطلح على ضفاف النيل التي كان يؤوي إليها في طفولته.
ويذكر الراوي
في سطور الفصل الاول بأنه شهد التحول من استخدام السواقي إلى استخدام مضخات المياه
التي غيرت شكل النهر حيث كانت ضفة النهر تتقهقر من مكان ويتقهقر من أمامها الماء
في مكان آخر.
بعد ذلك توجه
الراوي إلى جده العارف بأحساب وأنساب الناس في القرية وما جاورها. سأل الراوي جده
عن ( مصطفى سعيد) ولكن ما كان الجد يعرفه هو أن ( مصطفى) رجل من الخرطوم تزوج من
ابنة محمود ( حسنة) بعد سنة من قدومه للقرية. وقد دمدم الجد بأن قبيلة محمود لا
تهتم لمن تزوج بناتها ولكنه استدرك قائلا بأن مصطفى رجل طيب.
بعد ذلك
بيومين زار ( مصطفى) الراوي في بيته محضرا معه بعض الفواكه من مزرعته شارحا سبب
زيارته في رغبته التعرف على شخصية الراوي. وقد لاحظ الراوي مبالغة ( مصطفى) في
الأدب وحسن التحدث والتعامل وهو أمر غير مألف في ثقافة القرية. وفي أثناء
محادثتهما بيّن الراوي لمصطفى أنه – اي الراوي- حصل على شهادة الدكتوراه في الشعر
الإنجليزي, ولكن الراوي أحس بالإهانة عندما عقّب ( مصطفى) على كلامه قائلا: "
نحن هنا لا حاجة لنا بالشعر" وأنه كان يجب أن يدرس مجالا أكثر عملية يساعد
على تطوير القرية كمجال الهندسة أو الزراعة. غيّر الراوي الموضوع سائلا ( مصطفى)
عن أصوله في الخرطوم, لم يشعر ( مصطفى) بالارتياح لتساؤل الراوي ولكنه أجاب بأنه
كان يعمل بالتجارة في الخرطوم ولكنه أراد تجربة العمل في المجال الزراعي فانتقل
للعيش في قرية ( ود حامد) بعد أن مر القطار من هذه القرية التي اعجبته
هيئتها فقرر الاستقرار بها. فجأة غادر ( مصطفى) مخبرا الراوي بدون اي شرح : "
جدك يعرف السر".
سأل الراوي (
محجوب) واصدقائه الآخرين عن ( مصطفى) ولكنه لم يظفر بشيء جديد عنه. وبعد شهرين دعا
( محجوب) الراوي لاجتماع لجنة المشروع الزراعي المعنية بتنظيم الزراعة والري
في القرية, وكان ( مصطفى) عضوا في اللجنة وهو دائما ما يظهر كاريزما خاصة عندما
يقوم بحل الخلافات التي تنشأ بين القرويين بسبب قيام بعض القرويين بفتح المياه على
محاصيلهم لفترة اطول من الآخرين وهو أمر غيرمسموح فيه. وبعد ذلك بفترة دعا (
محجوب) الراوي لجلسة شراب في بيته وعندما مر (مصطفى) من بينهم بالصدفة أجبره (
محجوب) للجلوس وتناول الشراب مع بقية المدعوين على الجلسة على الرغم من أن مصطفى
لم يرغب في ذلك. وفي نهاية المطاف جلس (مصطفى) وتناول الشراب كاسا بعد آخر, وبعد
سكره بدأ ( مصطفى) بإلقاء أبيات من قصيدة تعود للحرب العالمية الثانية , أعجب وهلع
الراوي في آن واحد من الإنجليزية المتقنة التي تحدث بها ( مصطفى) واراد أن يعرف
منه أين تعلمها, خرج ( مصطفى) من المجلس بدون أن ينطق بأية كلمة. وفي اليوم التالي
واجه الراوي ( مصطفى) بقضية إلقاءه الشعر الإنجليزي متهما إياه بإخفاء أمر ما
بخصوص هويته. لم يبالي ( مصطفى) بالحادثة قائلا بأن ما قاله من شعر هو مثل
خترفة النائم او هذيان المحموم طالبا من الراوي أن لا يهتم لما سمع.
وفي اليوم التالي, ذهب ( مصطفى) إلى
الراوي قائلا بأنه هنالك أمرا ما يجب أن يخبره به وأن عليه – أي الراوي- أن يزور
منزله في وقت لاحق. دفع الفضول الراوي للذهاب إلى بيت ( مصطفى), الذي استقبله
قائلا بانه سيخبره الحقيقة عن هويته حتى لا يجمح خياله وحتى لا يخبر بقية القرويين
شكوكه فيما يخص ( مصطفى) وبعد أن أقسم الراوي بأن لا يخبر أحدا بما سيسمعه, قام (
مصطفى) بإخراج شهادة ميلاده وجواز سفره المليء بأختام دول أوروبية وآسيوية عديدة
وبعدها بدأ ( مصطفى) بالرجوع بالذاكرة وتذكّر ماضي حياته.
الفصل الثاني:
في هذا الفصل
بدأ ( مصطفى سعيد) بإخبار الراوي قصة حياته. ( مصطفى) هو الابن الوحيد لتاجر جِمال
من الخرطوم توفي قبل ولادة ( مصطفى). ترعرع ( مصطفى) وحيدا برفقة والدته والتي كان
يحسها بعيدة عنه ولكن علاقتهما كانت ودية وكان ( مصطفى) أكثراستقلالية وأقل عاطفية
من باقي الأطفال في سنه. وفي ذلك الوقت ( بداية القرن العشرين) كان العديد من
السودانيين خائفين من الجهد الذي يبذله البريطانيون لبناء المدارس لأهل البلد
فكانوا يخفون أطفالهم من رجال الحكومة الذي كانوا يجوبون البلاد لإقناع الاهالي
بإخراط اولادهم في المدارس ولكن ( مصطفى) تطوع للذهاب إلى المدرسة بعد ان رأى
موظفا في الحكومة يرتدي قبعة جميلة اعجبته فأحب أن يصبح موظفا في الحكومة كي
يستطيع ارتداء واحدة مثلها. وعدّ ( مصطفى) هذه الحادثة بأنها مهمة لأنها أول
قرار اتخذه بمحض ارادته. وبمساعدة ذاكرته القوية وموهبته في حل المشاكل سرعان ما
اصبح ( مصطفى) الطالب الأنجب في مدرسته محتقرا صداقة باقي أقرانه بسبب الاختلافات
الذهنية بينهم. وشبه ( مصطفى) نفسه بمدية حادة, وعندما بلغ من العمر اثنا عشر
عاما, رتب ( مستر ستووك ويل) ل ( مصطفى) الذهاب لثانوية في القاهرة لإكمال دراسته
حيث لم يكمل في السودان في ذلك الوقت مثل هكذا مدارس غير أن ( مصطفى) لم يشعر بأي
امتنان نحو هذا الرجل. وبعد وداع بلا عواطف لأمه توجه ( مصطفى ) للقاهرة.
في القاهرة,
اسُتقبل (مصطفى) من قبل( مسر روبنسون) , وهو مدير المدرسة التي سيلتحق
بها ( مصطفى) في محطة القطار برفقة زوجته ( مسز روبنسون). ويذكر ( مصطفى)
أنه اثير جنسيا عندما طوقته ( مسز روبنسون) بذراعيها أثناء تحيته, وذكر ( مصطفى)
أيضا أنها كانت صديقته الوحيدة عندما اعتقل بجرم القتل عندما أصبح يافعا. وفي السنوات
الثلاث اللاحقة أخذ ( مستر روبنسون) - والذي يتحدث اللغة العربية والمهتم بالحضارة
الإسلامية – أخذ (مصطفى) لرؤية الأماكن الثقافية المهمة حول القاهرة أما ( مسز
روبنسون) فقد ثقفته وقدم إليه كتاّب الغرب ومؤلفيه.
وبعد
أن بلغ الخامسة عشر , قُبل ( مصطفى) في جامعة لندن فحزم أمتعته للسفر إلى هناك
وذكر ( مصطفى) أن حياته في القاهرة لم تكن واضحة وأنه توجه إلى لندن لاكتشاف آفاق
جديدة غير معلومة. وبعد وصله انجلترا اكتشف ( مصطفى) أنها تفتقد ضوضاء وضجيج
القاهرة وأنها مدينة مرتبة اكواخها وقنوات مياهها والناس هادئون وظرفاء. وعاد (
مصطفى) بالذاكرة إلى الامام حين تذكر أول لقاءه ب ( جين موريس) في حفلة بعد عشر
سنين من وصوله لإنجلترا. كان ( مصطفى) ثملا ولكن جذبته ( جين) بسبب غرورها العالي
وجمالها عندما دخلت الغرفة التي يجمع فيها عشيقاته.وفي هذا الوقت غمر ( مصطفى)
نفسه في المشهد اللندني الأدبي والسياسي واصبحت هوايته هو إغراء وتصيد النساء. وفي
المرة الثانية التي رأى بها ( مصطفى) جين قالت له جين بأنه يملك أقبح وجه رأته على
الإطلاق فقرر ( مصطفى) أن يجعلها تدفع ثمن ما قالت. وفي صباح اليوم التالي: استيقظ
( مصطفى) وإلى جواره تنام عشيقته الحالية ( آن هنمد) وهي فتاة مميزة تبلغ من العمر
عشرين عاما وتدرس الدراسات الشرقية في جامعة أكسفورد. وقال ( مصطفى) أثناء سرده
لعلاقته بها بانه أدخلها فراشه وأفقدها عذريتها محولا إياها لعاهرة في فراشه وأنها
انتحرت باستنشاقها الغاز تاركة قصاصة ورق كتب عليها: ( مستر سعيد, لعنة الله
عليك).
وعاد
بالذاكرة مرة أخرى إلى الامام وتذكر مشهد محاكمته حين اتهم بقتل ( جين موريس) كما
اتهم بالتسبب بانتحار ( آن هنمد) , ( شيلا غرين وود) و ( إيزابيلا سيمور).
وكان محامي ( مصطفى) استاذه السابقة ( ماكس ويل فوستر كين) الذي قال بأن ( مصطفى)
وجميع تلك الفتيات هم ضحايا لصراع الحضارات وأن ( مصطفى) غير الملام على موت
الفتيات لأن الحضارة الغربية أقل تحضرا مما يجب أن تكون عليه. ومن خلال سطور الفصل
نعلم بأن ( مصطفى) أصبح محاضرا في الاقتصاد في جامعة لندن عندما كان يبلغ الرابعة
والعشرين وأصبح مشهورا في دعوته لتحقيق الإنسانية في شؤون الاقتصاد.
عاد ( مصطفى)
مرة ثانية إلى علاقته ب ( جين موريس), فبعد مطاردته لها بلا هوادة , طلبت ( جين)
أخيرا من ( مصطفى) أن يتزوجها لأنها سئمت من مطاردته لها ولم تعد تحتمل هذا
الامر. وكان زواجهما عاطفيا وصاخبا, وبالنسبة ( لمصطفى) الجنس مع ( جين) هو
عمل من الأعمال العدوانية . ثم انحرف الحديث حين تذكر عشيقته السابقة ( شيلا غرين
وود) وهي نادلة في مطعم ( سوهو) وهي فتاة بسيطة كانت عذراء حين التقاها واقدمت على
الانتحار فيما بعد.
وتذكر (
مصطفى) أيضا رؤيته لأمراة جميلة ناضجة واسمها ( إيزابيلا سيمور) في زاوية في حديقة
الهايد بارك وعند رؤيته لها تذكر ( مسز روبنسون) . دعاها (مصطفى) للقائه على شاطئ
البحر حيث قبلت دعوته . وحتى يلفت انتباهها أخذ يلفق لها قصصا عن " صحراء
ذهبية الرمال وأدغال تتصايح فيها حيوانات لا وجود لها". وأثناء تسامرهما,
سالته ( إيزابيلا) عن عرقه حيث أجابها: : أنا مثل عطيل عربي افريقي"
اما بشأن أسمه فقد كذب قائلا بأنه يدعى ( أمين حسن).
واوضح (
مصطفى) للراوي أن سر الحياة السعيدة يكمن في بساطة العيش وهو ذات السر الذي يعرفه
جد الراوي. ولكن مصطفى مدان بطموحه لعيش حياة معقدة وملتوية, وعاد ( مصطفى )
للحديث عن ( ايزابيلا سيمور) قائلا أنها قاومت اغراءه في بادئ الأمر ولكن وبعد أن
مارست الجنس معه أخبرت بأنها تحبه ثم انفجرت باكية.
·
هذه المقالة من بلوج ملخص كتاب. http://novelsum.blogspot.in/2013/08/blog-post.html
عندما نقرأ "موسم الهجرة إلى الشمال "
عندما نقرأ "موسم الهجرة إلى الشمال "*
كانت رواية الطيب صالح (موسم الهجرة
إلى الشمال) الرواية الأولى التي قرأتها له, والتي جعلت اسمه على كل لسان, خصوصًا
بعد أن طبعت في كتاب للمرة الأولى سنة 1967, ومنذ ذلك الوقت, والرواية لاتزال تحدث
استجابات نقدية, لا نهاية لها فيما يبدو.
كتب الطيب صالح روايته (عرس الزين)
قبل (موسم الهجرة) بأعوام قليلة - سنة 1962 - ولكن الرواية لم تلفت الانتباه إليها, وكان عليها
أن تنتظر إلى أن تصدر (موسم الهجرة إلى الشمال) وتقيم الدنيا ولا تقعدها, وتستقطب
الانتباه إلى صاحبها الذي نعته البعض بأنه (عبقري الرواية العربية الحديثة).
ولاأزال أذكر مشاعر الإعجاب الغامرة
التي انتابتني عندما قرأت (موسم الهجرة إلى الشمال) للمرة الأولى, فقد كانت حدثًا
استثنائيًا في تاريخ الرواية العربية, وانطلاقًا في آفاق جسورة لإنطاق المسكوت عنه
في الثقافة العربية التي لاتزال تقليدية في مجملها, فموسم الهجرة رواية بعيدة عن
التقليد أو التصنع أو التزمت أو الخوف, فالجسارة الكتابية التي تنطوي عليها فتحت
لها قلوب وعقول القراء المتعطشين إلى عوالم جديدة والمتلهفين على من يقتحم المناطق
التي ظلت مغلقة, لم تجد من يفتحها إلا مع أمثال (موسم الهجرة) التي تظل رواية
كاشفة عن كثير مما لم تكن الرواية العربية تعودت الكشف عنه. لقد طرحت قضايا الهوية
والعلاقة بالآخر والأصالة والمعاصرة ومكانة المرأة على نحو صريح. وأتصور أن هذه
الصراحة - بالإضافة إلى أهمية وحيوية القضايا التي طرحتها - هي المسئولة - أولاً -
عن الإعجاب الاستثنائي الذي لقيته هذه الرواية التي أنتجت - في رد الفعل عليها -
عشرات من المقالات والدراسات على امتداد الوطن العربي, وظلت الرواية منطوية على
نوع مغاير من الفتنة التي لاتزال تجذب إليها اهتمامات النقاد, وأحسب أننا لو جمعنا
النقد الذي أنتجته (موسم الهجرة إلى الشمال) وقمنا بتصنيفه لوجدنا أمامنا المشهد
الشامل لخرائط النقد العربي الحديث والمعاصر, في تنوع تياراته وتعددها, وفي تعاقب
نظرياته وتجددها, فكما استقطبت الرواية نقاد الأيديولوجيا بألوان أطيافهم
المتعددة, في البحث عن الأبعاد القومية والفكرية للرواية, استقطبت اهتمام نقاد
البنيوية - التيار الذي وجد في الرواية الجديدة المؤثرة فرصة لإثبات حضوره. هكذا,
اقترنت الرواية بمصطلح (البنية) - مثلا - في دراسات مشابهة وموازية لما قامت به يمنى العيد عندما كتبت
عن (تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي) واقترنت الرواية بمصطلح (الخطاب)
الذي كان علامة على نوع أجد من النقد الذي يسعى إلى مجاوزة البنيوية. وكان ذلك في
دراسات من عينة الدراسة التي كتبها محمد برادة عن (الرواية أفقًا للشكل والخطاب
المتعددين). ولاتزال
الرواية - إلى اليوم - تستقطب الاتجاهات والتيارات النقدية المتجددة التي تريد
تأكيد حضورها بالكشف عن جوانب جديدة من الدلالات التي لم تكشفها الاتجاهات
والتيارات السابقة. وكما انضمت نظريات التحليل النفسي الحديثة إلى غيرها من
النظريات في تحليل الشخصيات المركبة في الرواية, كما حدث في دراسة رجاء نعمة التي
حصلت بها على درجة الدكتوراه من إحدى الجامعات الفرنسية, لاتزال دراسات ما بعد
الاستعمار تناوش (موسم الهجرة إلى الشمال) وتسعى إلى إنطاقها ما لم تسبق إلى نطقه
في خطابات النقاد المهتمة بالبنية أو الشخصية, أو الصراع بين الشرق والغرب, الشمال
والجنوب. وأتصور أن الدراسات المنتسبة إلى خطاب ما بعد الاستعمار هي الموجة
الأخيرة في الأمواج التي لاتزال تثيرها (موسم الهجرة إلى الشمال).
وقد فرغت أخيرًا من دراسة قيمة أعدّها
زميلي الشاب د. خيري دومة عن الرواية من منظور خطاب ما بعد الاستعمار, بعنوان
(عدوى الرحيل: موسم الهجرة إلى الشمال ونظرية ما بعد الاستعمار). وهي دراسة ممتعة,
خصوصًا من الزاوية التي تتراصف بها الدراسة مع غيرها من الدراسات التي أنتجها
(خطاب ما بعد الاستعمار), الذي ينبني على رد المستعمَر (بفتح الميم) بالكتابة على
المستعمِر (بكسر الميم) في علاقة التابع بالمتبوع, التي لايزال لها توتراتها,
القائمة على التراتب القمعي المفروض من الشمال على الجنوب. وعلى مقاومة الجنوب
للشمال. وهي دراسة تقوم بتسليط الضوء على رد المقموع, وما يتصل بذلك من معضلات
الهوية, والتمزق بين ثنائيات الأنا والآخر, خصوصًا في علاقة أبناء المستعمرات
بالدول المستعمرة.
ثراء الرواية
وعندما أسأل نفسي - الآن - عن سر هذا
الثراء الاستثنائي في الكتابة النقدية عن (موسم الهجرة إلى الشمال) أجد هذا الثراء
راجعًا إلى ثراء هذه الرواية الفريدة التي لم تفقد جدتها ولا عمق تأثيرها بعد
السنوات العديدة التي مضت على نشرها كتابًا منذ ما يقرب من أربعين عامًا. ولقد
أعدت قراءتها في هذه الأيام بمناسبة حصول الطيب صالح - بجدارة - على جائزة ملتقى
القاهرة للإبداع الروائي فوجدت في قراءتها من اللذة والمتعة والثراء ما يوازي ما
وجدته في المرة الأولى, وأحسبني وجدت جوانب لم أكن ألتفت إليها قديمًا, خصوصًا بعد
تسليط الضوء عليها بالمناهج والأدوات النقدية المعاصرة.
وأتصور أن أول ما يلفت الانتباه في
رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) هو كثافتها, فالرواية صغيرة الحجم بالقياس إلى
روايات نجيب محفوظ مثلاً, أقل من مائتي صفحة من القطع المتوسط, ولكنها مع صغر الحجم
تنطوي على قدر لافت من الغنى والعمق والتعدد في الدلالة والمستويات. وما لفت
انتباهي - ثانيًا - بعد هذه السنوات - هو الحيوية السردية التي تتميز بها الرواية.
وهي الحيوية التي تقترن بآليات من التشويق الذي يشد انتباه القارئ منذ الصفحة
الأولى للسرد. والتشويق يأتي - في الرواية - من طرحها سؤالاً تظل تجيب عنه إلى أن
تكتمل الإجابة فتنتهي الرواية, والسؤال هو عن مصطفى سعيد, الغريب الذي رآه الراوي
في مجلس القرية التي عاد إليها, بعد غربة عنها في بلاد الإنجليز لسبع سنوات,
ويلاحظ أن كل شيء على حاله ما عدا مصطفى سعيد الذي لم يره من قبل. وهو رجل ربعة
القامة, في نحو الخمسين أو يزيد قليلاً, شعر رأسه كثيف مبيض, ليس له لحية, وشاربه
أصغر قليلاً من شوارب الرجال في البلد. رجل وسيم, ويسأل أباه عنه, ويعرف من أبيه
أن مصطفى ليس من أهل القرية. لكنه غريب جاء منذ خمسة أعوام, واشترى مزرعة وبنى
بيتًا وتزوج بنت محمود, وهو رجل في حاله, لا يعلمون عنه الكثير. وكانت إجابة الأب
مثيرة للفضول, وذلك في السياق الذي يتذكر فيه الراوي أن أحدًا لم يتوقف عن سؤاله -
يوم وصوله إلى قريته, عائدًا من غربة سبع سنوات - إلا مصطفى سعيد الذي لم يقل
شيئًا, وظل يستمع في صمت. يبتسم أحيانًا, ابتسامة غامضة, لا تخلو من سخرية شخص
يحدِّث نفسه. ولا يتوقف الفضول في معرفة المزيد عن مصطفى سعيد منذ هذه اللحظة التي
تبتدئ بها الرواية, طارحة سؤالها الذي أثار فضول الراوي وفضول القراء فمضوا في
قراءة الرواية, مدفوعين بلهفة إشباع الفضول ومعرفة اللغز الذي يكمن وراء مصطفى
سعيد, والذي يبدو أنه - منذ اللحظة الأولى لمشاهدته في مجلس أهل القرية - يخفي أكثر مما يعلن, وينطوي على سر
يثير فضولنا. وتمضي الرواية في هذه التقنية التي لجأ إليها روائيون عالميون قبل
الطيب صالح, ومنهم جوزيف كونراد في روايته (قلب الظلمات) المبنية على ازدواج
مشابه, يتمثل في ثنائية الراوي والمرويّ عنه: اللغز, أو السؤال الذي يظل مفتوحًا, لا نتوقف
عن الانجذاب إليه بفضل الراوي. والراوي في (قلب الظلمات) هو مارلو البحار الشاب
الذي تقوده أسفاره إلى إفريقيا, ويبحر في النهر إلى قلب الكونغو في وسط إفريقيا,
ونسمع معه - على امتداد الرحلة - عن شخصية كيرتز الذي يثير فضولنا لمعرفته, ولكننا
لا نراه إلا قرب النهاية, وبعد حيل تشويق ممتعة تستغرق أغلب الرواية. ويتجاوب
الراوي- مارلو - والمروي عنه - كيرتز - في النهاية - في علاقة من نوع فريد.
الجنس والموت
هذه البنية الثنائية هي بنية (موسم
الهجرة) التي يتقاسمها راو نألفه ومروي عنه نظل في شوق إليه وتلهف على معرفة
الغامض من أحواله, فنندفع مع السرد على نحو لا تكتمل معه الإجابة عن أسئلتنا, أو
إشباع فضولنا عن المرويّ عنه إلا في الصفحات الأخيرة من الرواية, حيث تتصاعد
التفاعلات السياقية إلى الذروة, وتتركنا في لحظة متوترة, هي قمة الأحداث التي
يمتزج فيها الجنس بالموت, ويتحدد المصير الأخير لمصطفى سعيد, والمسار الذي لابد أن
يمضي فيه الراوي في الوقت نفسه. ولكن من خلال تشابكات اللحظة الملتبسة التي تدني
بطرفيها إلى حال من الاتحاد, وتوقع التشابه بين المختلفات, وتجعل من الراوي الوجه
الآخر من مصطفى سعيد, كأنه النقيض الذي يلتقي بنقيضه, وذلك في مدى الثنائية الضدية
السردية التي أبدع فيها روبرت ستيفنسون (1850 - 1894) روايته الدكتور جيكل والمستر هايد,
حيث يظهر التضاد المطلق بين شخصين في كائن واحد, ينطوي على النقيضين, أو تدفعه
خبراته العلمية إلى اكتشاف النقيض الذي ينطوي عليه, فلا يتخلص منه إلا بالدمار
الكامل للاثنين معًا.
وما يجمع بين الراوي ومصطفى سعيد هو
هذا التضاد الذي يذكرنا بدكتور جيكل ومستر هايد, فالراوي مواطن سوداني, مسالم, ذهب
إلى إنجلترا, في موسم الرحلة من الجنوب (المتخلف?!) إلى الشمال (المتقدم?!) طلبًا
للعلم, وقضى سبع سنوات عاد منها إلى موطنه - القرية النائمة في حضن النيل, فشعر
بأنه يعود إلى الرحم الذي خرج منه, وإلى العناصر الثابتة التي تزيده ثباتًا, فيبدو, لنفسه, وسط
محيطه الطبيعي مثل النخلة, مخلوق له أصل, له جذور, له هدف, مخلوق فارق أرضه ليعود
إليها أكثر قدرة على حبها ومساعدتها, متسلحًا بشهادة الدكتوراه التي نالها. ونعرف
- من تفاعلات السرد - أنه متزوج
من سودانية, لم يتزوج إنجليزية, فظل زواجه جانبًا من تمسكه بالأصل الراسخ والهوية
الثابتة, ولذلك نراه في حياته الهادئة منذ اللحظة الأولى, وتظل علاقته بالقرية
متجذرة رغم عمله في الخرطوم, فهو واحد من الناس الذين لا ينسون أصلهم, والذي يتوسط في الحكم على الأمور,
ويعتدل في التعامل مع النفس والآخرين, عارفًا قدراته وإمكاناته, خصوصًا في العلاقة
مع واقعه المتخلف والواقع المتقدم الذي عاد منه. ولذلك, ظلت نظرته متسمة بالاعتدال
في كل الأحوال, فالواقع المتخلف هو التحدي الذي لابد من مواجهته بالبحث عن إمكانات
التقدم الكامنة فيه, والمقترنة بخصوصيته التي يتناغم فيها العلم والدين, الروحي والجسدي,
الأصالة والمعاصرة. والواقع المتقدم في الغرب هو المكان الذي يمكن الإفادة منه
والنقل عنه فيما لا يتعارض مع أصول الهوية الراسخة أو يقضي عليها.
الإنسان المتوحد
وعلى النقيض من كل هذه الأفكار, كانت
أفكار مصطفى سعيد العاصفة, الحديّة, تمامًا كشخصيته التي كان لابد أن تنتهي إلى ما انتهت
إليه. والبداية هي مولده في السادس عشر من أغسطس سنة 1898, الأب متوفى, الأم فاطمة
عبدالصادق. مات الأب قبل الولادة بأشهر. وكفلته الأم التي تركته حرًا, وظل كذلك
يعارك أعوام النشأة الأولى وتعاركه, فقد كان مثل كرة المطاط, تلقيه في الماء فلا
يبتل أو يغوص, ترميه على الأرض فيقفز, ويعرف المدرسة التي يذهب إليها بقدميه في
الوقت الذي كان الأهالي يفرون بأولادهم من المدارس, ويتعلم في المدرسة الإنجليزية
التي أظهر فيها نباهة استثنائية فدفعت الأساتذة الإنجليز إلى مساعدته.
وكان يتقبل هذه المساعدات كأنها واجب
يقومون به نحوه, فقد ظل باردًا كحقل من الجليد, سواء في علاقته بأقرانه الطلاب, أو
بأساتذته الإنجليز, منطويًا على نفسه, متوحدًا, كما لو كان يعيش في غير عالمه, لكن
عقله ظل كمدية حادة لا يستعصي عليه شيء, يقطع في برود وفعالية, غير مبالٍ بدهشة
المعلمين أو إعجاب الرفاق وحسدهم, فقد كان المعلمون ينظرون إليه كأنه معجزة, ورفاقه يطلبون وده,
لكنه ظل في حال من النأي, والتباعد, والبرود, كأنه حقل جليد, لا يوجد في العالم
شيء يهزّه, ويترك موطنه, ويركب القطار في طريقه إلى القاهرة لطلب المزيد من العلم
هناك, لم يلوّح له أحد بيده, ولم تنهمر دموعه لفراق أحد, وعندما ضرب القطار في
الصحراء, فكّر قليلاً في البلد, الذي خلفه وراءه, فكان مثل جبل ضرب خيمته عنده,
وفي الصباح, قلع الأوتاد, وأسرج بعيره, وسيظل على ذلك بقية حياته, متوحّدًا, مغتربًا,
ظامئًا إلى إشباع لا يتحقق, متطلعًا إلى حلم مستحيل, لا يكف عن قلع الأوتاد,
وإسراج البعير ومواصلة الرحلة.
وعندما وصل إلى إنجلترا, أدرك أن لندن
هي جبل آخر مثل القاهرة, لا يدري كم يمكث فيها, لكنه سيرحل عنها في النهاية, كما
ظل يرحل بين أجساد نسائها, بلا عاطفة حقيقية, بلا حب, أو تعاطف, أو شفقة, أو سعي
للاقتراب, فالآخرون هم الآخرون المختلفون, الذين لا يربطنا بهم شيء, وكان الفشل
نتيجة مشروع العلاقة الأولى مع زميلة له, سرعان ما كرهته, قائلة له: (أنت لست
إنسانًا. أنت آلة صماء), وظل وتر القوس الذي ينطوي عليه مشدودًا, ينتظر انطلاق سهم
جديد في موقف جديد إلى ما لا نهاية.
ونجح في إنجلترا, وتفوّق, ولكنه ظل في
علاقته بالإنجليز منطويًا على كره دفين, أو احتقار راسخ, لا يخلو من الشعور برغبة
الثأر, التي ظلت قائمة كإرادة الانتقام الذي لا يهدأ. وعرف النساء اللائي كان يعبر
عليهن لإشباع رغبته المستحيلة الإشباع, كان يواجه مدينة لندن, كما لو كانت المدينة
امرأة عجيبة, لها رموز ونداءات غامضة, ونساؤها وسيلة للانتقام والثأر من كل ما
فعله الاستعمار الإنجليزي في إفريقيا السوداء. ولذلك, ظل مصطفى سعيد في إنجلترا,
جنوبًا يحن إلى الشمال والصقيع, ينطوي في أعماقه على النقائض في علاقته بالآخر الإنجليزي, الذي
يظل محبوبًا ومكروهًا بالقدر نفسه. كما ظل مصطفى سعيد, صحراء ظمأى لا يكسر ظمأها
شيء, ومتاهة من الرغائب الجنوبية المحمومة. كل امرأة إنجليزية هي فريسة ممكنة
تستحق المطاردة, والصياد
مستعد دائمًا, قربة مملوءة هواء ساخنًا, وقوافله ظمأى دائمًا, والسراب يلمع أمامه
في متاهات شوق لا تنتهي, والعقل كالنفس, وتر مشدود بين نقائض, يتأهب لانطلاق لا
يتوقف في حركة لا تصل إلى غايتها النهائية إلا مع الدمار الكامل, (أنا مثل
عطيل...عربي إفريقي), يمسك بيده رمحًا, وبالأخرى نشابًا), هذا ما يقوله مصطفى سعيد
لإيزابيل سيمور, التي شعر إزاءها بأنه مخلوق بدائي عار, بيده رمح, وبالأخرى نشاب, تمامًا كما شعر مع غيرها من النساء,
ومع الإنجليز الذين تخيل نفسه بينهم غازيًا, ينتقم لكل ثارات الماضي وإحنه, التي
تركها الاستعمار البريطاني في نفوس أبناء المستعمرات. وكما كان الجسد الأرستقراطي
للمرأة وسيلة للصعود الطبقي في رواية نجيب محفوظ (بداية ونهاية), تحول الجسد
الأنثوي للمرأة الإنجليزية إلى ساحة للصراع والغزو, كالمرأة التي تحوّلت إلى
فريسة, والصائد الذي تحوّل إلى قطرة من السم, التي نتجت عن العنف الأوربي الأكبر,
الذي لم يشهد العالم مثيله, العنف الذي حقن به الاستعمار الأوربي القارة الإفريقية
بالسم, الذي تسلل إلى عروق مصطفى سعيد في علاقته بأوربا بوجه عام, وإنجلترا التي
استعمرت بلده بوجه خاص, فذهب إليها ليغزوها جنسيًا, مؤكدًا المعنى نفسه, الذي
أتصور أنه علق بذهن الطيب صالح - على نحو لاشعوري فيما أحسب - من قراءة نجيب
محفوظ, وكما قاد حسنين - بطل بداية ونهاية - نفسه إلى الدمار في النهاية, فإن
مصطفى سعيد, قاد نفسه إلى دمار مواز, ولكن أكثر عنفًا ودموية, فظل ينتقل من امرأة
إلى أخرى, إلى أن وقع على جين مورس, التي أطاحت بما بقي في عقله الحدِّي, ودفعته
إلى طرادها كالمحموم لثلاثة أعوام, ظلت قوافله ظمأى, والسراب يلمع أمامه في متاهة الشوق,
إلى أن تعبت هي من المطاردة, وتزوجته. ولكنها - حتى بعد أن تزوجته - لم تمنحه نفسها,
ولم تستسلم له إلا في اللحظة التي اندفع هو والسكين إلى داخل جسدها, الذي اتحد به
في اللحظة التي يتحد فيها الإيروس بالثناتوس, وتصل السفن في بحر الرغبة إلى الشاطئ
المهلك, الذي ليس بعده رجوع, فهو شاطئ الفناء, الذي تتحول فيه رغبة الحياة إلى رغبة
في الموت, الذي يغدو ذروة العدم, التي يصل إليها الوجود الذي انطلق من عقاله
كالمحموم.
غربة في الوطن
وبعد أن قتل مصطفى سعيد جين مورس, في
ذروة الوصل, التي كانت ذروة الفصل, وتمت محاكمته, قضى سبع سنوات في السجن, إلى أن
خرج منه, متنقلاً بين أقطار القارة الأوربية, إلى أن قرر العودة إلى بلده, مرتحلاً
فيه, كما لو كان يعيد اكتشافه أو البحث عن نقطة أمان فيه, إلى أن وصل إلى قرية
الراوي, التي لا يعرفه فيها أحد, واستقر فيها, متزوجًا إحدى بناتها, التي نقلها
إلى عالم مغاير, أحالها إلى غريبة عن عالمها الأول, غير قادرة على استعادة
علاقاتها معه, فبدت كما لو كانت قطرات السم التي انطوى عليها مصطفى سعيد قد
اخترقتها, وظلت كامنة فيها إلى أن انفجرت فيها رغبة القتل التي اجتاحتها, دفاعًا
عن نفسها في مواجهة اقتحام عجوز يكبرها بأربعين سنة, فرض عليها نفسه بحكم التقاليد
والمال, فقتلته وقتلت نفسها في دوامة جنون العنف, التي ترك مصطفى سعيد بذرتها في
كل من اتصل به.
وواضح من كل ما سبق, أن مصطفى سعيد هو
النقيض الكامل للراوي, الذي لا نعرف اسمه, والذي تصلنا به تفاصيل السرد وصلاً
حميمًا, فنتذكر الكثير عنه, حتى لو نسي تتابع السرد المتوتر اسمه, في حركته
المندفعة. أقصد إلى الحركة التي تنبني على التقابل في علاقة التضاد بين الراوي
ونقيضه مصطفى سعيد. ولكن المفارقة التي تنطوي عليها هذه الحركة, أن النقيض يشبه
نقيضه في صفات دالة, لافتة, فكلاهما سافر إلى إنجلترا, وحصل منها على الدكتوراه,
مصطفى سعيد في الاقتصاد, والراوي في الشعر الإنجليزي, وكلاهما شاعر يحب الشعر,
وينظمه, وكلاهما ارتبط بالمرأة السودانية نفسها, وكلاهما يعاني الاغتراب في
المكان, ويشعر بالحاجة إلى الركون إلى شيء راسخ, ثابت, وكلاهما يحكي بضمير المتكلم,
وفي خطاب لا يختلف بين الاثنين, في توجهه إلينا - نحن القرّاء, خصوصًا حين نرى علامات
لغوية انتباهية من مثل كلمة (سادتي), وكلاهما يفكر بأنه أكذوبة, ويردد هذا الأمر,
وأخيرًا, كلاهما لا يخلو تكوينه من عنصر السخرية, ولا يكف عن ممارستها مع النفس أو
الآخرين, وفي موازاة ذلك كله, يشبه الراوي مصطفى سعيد على نحو دال, إلى الدرجة
التي تدفع أحد زملاء مصطفى سعيد - في إنجلترا - إلى أن يسأل الراوي: (هل أنت ابنه?),
مع أنه كان يعرف أنه لا قرابة بين الاثنين.
ويكتمل هذا السياق من التشابه
بالتحوّل الدلالي المتكرر, الذي يقترن بتحوّل المرأة إلى مدينة ووطن. عند
الشخصيتين, والعكس صحيح بالقدر نفسه, وكما تحوّلت لندن إلى امرأة غاوية مغوية, في
تجاوب التوازيات الرمزية, تحول الوطن المستعاد(الذي يعود إليه الراوي كما لو كان
يعود إلى صدر أمه), إلى امرأة حانية حاضنة, هي حسنة بنت محمود, الوطن الذي استراح
إليه مصطفى سعيد بعد رحلة العذاب والعنف, والسكن الذي استراح إليه الراوي بعد أن
انجذب إلى شراك مصطفى سعيد. ولكن بقدر ما تغدو حسنة بنت محمود نقيض جين مورس, في
المستويات الرمزية للأمان والسكينة, تنتهي حياتها في فعل من أفعال العنف, الذي تضطر إلى أن تمارسه
دفاعًا عن حرمة جسدها, فينتهي بها الأمر إلى الموت الفاجع. وكان ذلك حين قتلت (ود
الريس), الذي أراد أن يجعلها من ممتلكاته, فقتلها كما قتلته, أو قتلت هي نفسها بعد
أن قتلته, فلا نعرف على وجه اليقين, كل ما نعرفه هو أنها هددت بأنها ستقتل نفسها
وتقتله إن أجبرها أهلها على الزواج منه, خصوصًا بعد أن أحبت الراوي وأرادته أن
يتزوجها كما تزوجها مصطفى سعيد, ليكون امتدادًا له, ووجهًا آخر من وجوهه.
نهر النيل
ويبدو أن اكتشاف الراوي لدرجة تشابهه
مع مصطفى سعيد, في لحظة التوحد, التي هي لحظة تكشف ذاتي, كانت مقدمة النهاية, التي تعود بنا
إلى نهر النيل, المنبع الذي عاد إليه مصطفى سعيد, والراوي معًا, والذي قيل إن
مصطفى سعيد قد غرق فيه. أما الراوي فإنه - بعد أن اكتشف تشابهه مع مصطفى سعيد -
يمضي إلى النيل في خطى موازية لخطوات مصطفى سعيد السابقة, وفي لحظة غسقية من الوعي
بالذات, التي تغدو غيرها, ويدخل الماء عاريًا, كما ولدته أمه بما يؤكد فكرة العودة إلى
الرحم, ويترك جسده للماء, الذي يحمله إلى منتصف النهر, والشاطئ يعلو ويهبط, ودوي
النهر يغور ويطفو, والعائد
إلى قلب النهر - قلب الظلمة التي ليس بعدها سوى النور - يصبح بين العمى والبصر,
يعي ولا يعي, كأنه في لحظة ما بين النوم واليقظة, الحياة والموت, مقبضًا على خيط
رفيع واهن: الإحساس بأن الهدف أمامه لا تحته, وأنه يجب أن يتحرك إلى الأمام,
ويعاني نوعًا من الصحو المفاجئ كأنه لحظة اليقظة من الكابوس, ويدرك للمرة الأولى
في وضوح غريب, أنه طوال حياته لم يختر ولم يقرر, وأن عليه الآن أن يختار الحياة,
لأن ثمة أناسًا قليلين يجب أن يبقى بينهم أطول وقت ممكن, ولأن عليه واجبات يجب أن
يؤديها, لا يعنيه إن كان للحياة معنى أو لم يكن لها. وإذا كان يستطيع أن يغفر,
فسيحاول أن ينسى, ويحيا بالقوة والمكر. هكذا, اندفع فوق الماء بكل ما في جسده من
طاقة حتى صارت قامته كلها فوق الماء, وبكل ما بقي له من طاقة صرخ: (النجدة, النجدة).
*
هذه
المقالة نشرت في مجلة العربي العدد 562 - 2005/9 - آداب - كتبها : جابر عصفور
من هو مصطفى سعيد بطل «موسم الهجرة إلى الشمال»؟ *
من هو مصطفى سعيد بطل «موسم الهجرة إلى الشمال»؟ *
شاهدة على زمن الرواية وأبطاله تستجمع خيوط
القصة
موسم الهجرة إلى الشمال رواية كتبها الطيب
صالح ونشرت في البداية في مجلة حوار (ع 5-6, ص 5-87) في أيلول/سبتمبر عام 1966، ثم
نشرت بعد ذلك في كتاب مستقل عن دار العودة في بيروت في نفس العام. في هذه الرواية
يزور مصطفى سعيد، وهو طالب عربي، الغرب. مصطفى يصل من الجنوب، من إفريقيا، بعيدا
عن الثقافة الغربية إلى الغرب بصفة طالب. يحصل على وظيفة كمحاضر في إحدى الجامعات
البريطانية ويتبنى قيم المجتمع البريطاني. هناك يتعرف إلى زوجته، جين موريس، وهي
امرأة بريطانية ترفض قبول املاءات زوجها. بعد سبعة أعوام يعود مصطفى إلى بلاده،
حيث يلتقي هناك بصورة مفاجئة براوي القصة الذي عاش أيضا في بريطانيا. القصة نفسها
تروى عن طريق قصص يرويها الراوي والبطل.
أن مصطفى سعيد بطل متخيّل على عدة مستويات في ذهن المؤلف، مصطفى
سعيد قد صنع من مزج عدة شخصيات التقاهم بالتأكيد الطيب صالح أو سمع بهم عندما ذهب
لأول مرة إلى لندن عام 1952، ولكن قبل أن نمعن أو ننطلق في هذه الفرضية علينا أن
ننظر الى شخصية البطل ونقسمها الى ثلاثة محاور:
·
مصطفى
سعيد- الأكاديمي السوداني الذي يعيش في لندن.
·
مصطفى
سعيد- «دون جوان لندن».
·
مصطفى سعيد
- وعودته الى موطنه الأول.
يرجح ان مصطفى سعيد الأكاديمي هو شخصية «متكوّنة» من ثلاثة أعضاء في
دفعة السودانيين النخبة الذين اختيروا بعناية، وأرسلوا بواسطة الحكومة السودانية
عام 1945 لجامعات المملكة المتحدة، وكلهم يمثلون شخصيات بطولية في الوعي الوطني
الباكر للسودانيين، أحدهم هو د. سعد الدين فوزي وهو أول سوداني يتخصص في الاقتصاد
بجامعة أكسفورد، حيث تزوج فتاة هولندية محترمة ومخلصة وليست شبيهة بالفتيات في الرواية،
وحصل على درجة الدكتوراة في العام 1953، وعاد الى السودان، حيث شغل منصبا أكاديميا
رفيعا الى أن توفي بالسرطان عام 1959. ولكن قبل ذلك التاريخ في الخمسينات حصل
عبدالله الطيب على درجة الدكتوراه من جامعة لندن في اللغة العربية وعيّن بعدها
محاضرا في كلية الدراسات الأفريقية والشرقية بالجامعة نفسها، وقبلها بعامين تزوج
من فتاة إنجليزية، ومرة أخرى ليست شبيهة بصور فتيات الرواية.
إذا هنا مزج الطيب صالح الشخصيات الثلاثة: سعد الدين وحصوله على شهادة
بالاقتصاد من أكسفورد والدكتور عبدالله الطيب وتعيينه محاضرا في جامعة لندن. أما
الشخص الأكاديمي السوداني الثالث الذي اقتبس الطيب صالح جزءاً من شخصيته لتمثل
الصفة الثالثة عند مصطفى سعيد وهي «الدون جوان، الى حد ما، فهو الدكتور أحمد
الطيب. هذا الرجل كان جذابا وشخصية معقدة ومفكرا رومانسيا، وكما حال الأكاديميين
من جيله شغله الصراع النفسي بين حياته الحاضرة وإرثه القديم، كما كان مجروح
العواطف ومهشما بالطموح السياسي ومنافسات الوظيفة لجيله. وكطالب يافع فإن أحمد
الطيب كان معجبا جدا بـ د.هـ. لورنس وفكرة «الحب الحر»، ومن المحتمل أنه عند ذهابه
الى إنجلترا كان يضع في ذهنه ونصب عينيه إمكانية إقامة علاقات رومانسية مع الفتيات
الإنجليزيات. ولكن أول رحلة له للمملكة المتحدة كانت عام 1945-46 وهي فترة قصيرة،
ولكن زيارته الثانية عام 1951-1954 أنجز فيها درجة الدكتوراه في الأدب العربي
وتزوج من سيدة بريطانية. وقد فشل هذا الزواج والتقي أحمد بزوجة سودانية لطيفة
والتي لحد ما تشابه حسنة- ولكن أحمد الطيب لم يستقر في زواجه، كما هو متوقع،
وانتهت حياته في السودان فجأة وبطريقة غامضة ومأساوية. وهو بكل تأكيد معروف تماما
الى الطيب صالح، وكان يعيش في لندن عندما ذهب إليها الكاتب لأول مرة.
وعامل آخر يجب أن يذكر في الربط بين الدكتور أحمد الطيب ومصطفى سعيد،
هو أن أحمد الطيب كانت له علاقة وثيقة جدا بصحافي لامع شاب وهو بشير محمد سعيد،
جاء من منطقة أو حياة قروية تشابه الى حد بعيد بيئة الراوي في «موسم الهجرة الى
الشمال».
وإذا عدنا لشخصية الدون جوان عند مصطفى سعيد، فان الطيب صالح لم تكن
لديه مبررات عظيمة أو مقنعه لإلقاء نفسه على أجساد النساء الإنجليزيات كانتقام من
الإمبريالية لوطنه. أولا، ولنقل بأمانة أن الإمبريالية المذكورة في الرواية ليست
بهذا السوء، فإذا كان البريطانيون قد احتلوا السودان وإذا ما كانت لديهم مغامرات
في أجزاء من هذا البلد، فذلك لأن التركيب الاجتماعي في تلك المناطق يسمح بإقامة
مثل هذه العلاقات بل وحتى يشجعها، ولكن الاستعماريين البريطانيين لم يؤذوا النساء
في شمال السودان الإسلامي، لذا فإنه ليس هناك تبرير منطقي لهذا الإنتقام. وترينا الرواية
ان الفتيات الإنجليزيات كن ينظرن الى الطلاب الأفارقة كظاهرة مثيرة جديدة تسبح في
أفق حياتهن الجنسية والإجتماعية. وفي رأيي أن الكاتب النيجيري شينوا أكليشي تعامل
مع هذا الوضع في روايتهNo longer at ease وبطلها «أوبي» بطريقة أكثر
واقعية وقابلية للتصديق من رواية مصطفى سعيد، الذي تعامل مع الوضع العام كله وكأنه
حقيقة إجتماعية في ذلك الزمان. ولذا علينا هنا توضيح الأمر. ففكرة أن إعجاب النساء
البيض بالرجال الأفارقة تتبع لأسطورة الرجل الأفريقي القوي جنسيا، هذه الفكرة
موجودة لدى العرب أنفسهم، ومؤكدة في بداية رواية ألف ليلة وليلة فشهرزاد مهددة
بالموت من زوجها الملك شهريار الذي خانته زوجته الأولى مع عبد زنجي.
كما هناك توضيح آخر يجب أن يوضع في الإعتبار، أن ذلك الجيل من الفتيات
والنساء البريطانيات اللواتي تعرّفن على الطلاب الأفارقة في بلادهن في تلك الفترة
هن بنات لأمهات حاربن طويلا لأجل المساواة مع الرجل وتخلصن مما يسمى بـ«عقدة أو
أسطورة الرجل القوي». ولكن بلا وعي منهن فإن هؤلاء الفتيات كن يبحثن عن الذكر
«الجنتلمان»- أو الحمش باللهجة المصرية، وهو الرجل الذي يوافق أدبياتهن وما قرأنه
في «روايات جين آير» و«مرتفعات ويزرنج» ونموذج الرجل الغريب الأسود، وهذا ما جعلهن
يتوقعن أن يجدنها عند الرجال الأفارقة الذين يبدون واثقين من أنفسهم وقوتهم
وشجاعتهم وحمايتهم للمرأة وقناعتهم الثابتة بأنها المخلوق الضعيف الذي يحتاج الى
الحماية! وهذا ما فشل الطيب صالح في تصويره. كما أن الفتيات البريطانيات اللواتي
أقمن علاقات مع الطلاب الأفارقة كن يعملن على مساعدة هؤلاء الطلاب في بحوثهم
الجامعية وكتابتها باللغة الإنجليزية الرصينة. لذا فليس الشكل الخارجي الجذاب
لمصطفى سعيد هو الذي قاد الفتيات الإنجليزيات لأن يقعن في غرامه من أول وهلة!
ولحسن الحظ أنه لم تكن هناك قضية جنائية لرجل سوداني قتل فيها سيدة
بريطانية أو عشيقة، ولكن كانت هناك قصة مأساوية حدثت في الخمسينات تناقلتها الصحف
بتغطية واسعة، كانت القصة بين فتاة بريطانية تدعى ناوومي بيدوك وفتاها السوداني
عبدالرحمن آدم، كان الإثنان يدرسان بجامعة كمبريدج ونشأت بينهما علاقة عاطفية.
وقام والد الفتى بزيارة مفاجئة الى إنجلترا وعارض هذه العلاقة والزواج المخطط له
بين الشابين، مما أعقبه انتحار الفتى بالغاز، ومن ثم انتحار الفتاة ناوومي بعده
بأيام وبنفس الوسيلة. وكان والدها العطوف المتسامح بروفسور دان بيدو قد ألقى كلمة
حزينة في التحقيق، تعاطف فيها مع قصة حب ابنته وأنه كان يتمنى لها زواجا سعيدا.
وهو خطاب يشبه في عاطفيته الذي ألقاه والد الفتاة التي قتلها مصطفى سعيد في روايته
للمحكمة.
بل حتى مشهد المحاكمة نفسه نستطيع ان نجد له من مقابل، فقد حدثت في
العام 1947 قضية مشهورة جدا حيث قام حارس مطعم سوداني يدعى محمد عباس ألقي عليه
القبض لإطلاقه النار على رجل جامايكي، وقد حكم عليه بالقتل الخطأ. وهذه القضية
أثارت حساسية لدى المجتمع السوداني بلندن حيث أن كل السودانيين كانوا معتادين
الذهاب الى ذلك المطعم في إيست إند ليتناولوا فيه الأطباق السودانية المحببة. وهذه
الحادثة كان قد سجلها عبدالله الطيب في صحيفة «الأيام» التي تصدر في الخرطوم عام
1954.
وفي الحقيقة كانت براعة من الطيب صالح أن يقوم بخلط كل تلك الشخصيات
والأحداث وإخراج عمل فني رائع منها. أما أكثر الجوانب المثيرة، والمحيطة بمصطفى
سعيد فهي عودته لبلده كمواطن غير سعيد، وظاهرة عدم الرضا، وعدم التوافق مع المجتمع
الأصل، كان قد تناولها عدد من الكتاب الأفارقة. وهي مشاعر يمكن الإحساس بها في
الروايات No
Longer at Ease و The Beautiful one is not yet born و Morning
yet in Creation
و Not yet Uhuru. والقرية في الرواية شبيهة بقرية الطيب صالح
التي قمت بزيارتها بمنطقة الشمالية، وهنا نجد السيرة الذاتية بالتأكيد قد دخلت في
نسيج الرواية وتلاقي الأجيال هو حقيقي في القرى، إلا أن التعليقات التي قالتها
المرأة العجوز في مجتمع محافظ كمجتمعات القرى يجعل المرء يتساءل من أين أتى الطيب
صالح بهذه المرأة؟ وقصة حسنة وزواجها الثاني مناف للواقع حيث أن التقاليد القروية
تمنح الأرامل الحرية في اختيار الزوج على عكس العذراوات.
وفي القرى حيث أن أي شخص له الحرية في التدخل في حياة الشخص الآخر
وشؤونه وحيث الناس دائما في حالة إجتماع مع بعضهم البعض. ويمكننا تخيل مدى الفضول
في قرية نائية تجاه كل جديد وافد. فمن الطبيعي أن شخصا مثقفا عائدا من أوروبا يريد
أن تكون له مملكته الخاصة. وهذه الغرفة الخاصة بمصطفى سعيد شبيهة بغرفة كانت في حي
العرب بأم درمان، وصاحبها هو المرحوم محمد صالح الشنقيطي. وهو شخصية سودانية لامعة
ومن النخب المثقفة، وهو أيضا أول قاض وبرلماني ضليع تلقى تعليمه ببيروت، وقد جاء
ذكره وذكر غرفته في رواية Black Vanguard للكاتب السوري إدوارد عطية
التي صدرت في الأربعينات، والذي كان يعمل في مخابرات الجيش البريطاني في السودان.
وبالطبع كانت هناك الزيارات العديدة الى منزل محمد صالح الشنقيطي بعد تناول الشاي
وبعدها بالتأكيد يذهبون الى الغرفة المهيأة بالأثاث في «الديوان»-الاسم القديم
للصالون، المحاط بالزهور. وهي غرفة تبدو عادية من الخارج يهتم بها الشنقيطي يغلقها
ويفتحها بنفسه، والكتب بها مرصوصة من الأرض الى السقف ومفروشة بالسجاجيد الفارسية
الثمينة والتحف الرومانية. وهذه المكتبة الخاصة تشابه بصورة دقيقة غرفة مصطفى سعيد
حيث يسمح للراوي بإلقاء نظرة على الغرفة، وتم إهداء محتويات المكتبة الى جامعة
الخرطوم في الذكرى السنوية لرحيله.
وبذا نكون
قد حققنا تركيبة الشخصية المعقدة لمصطفى سعيد، في هذه الرواية الشهيرة «موسم
الهجرة الى الشمال» ليس استناداً فقط إلى وثائق قرأناها، وإنما إلى حقبة كاملة
سنحت الفرصة ان أكون شاهدة على أحداثها.
*
كاتبة هذا المقال جريزلدا الطيب، هي فنانة بريطانية وباحثة في الأدب الأفريقي.
وحقق هذا المقال الاستاذ عبد المجيد، كلية فاروق ، كالكوت ، كيرالا ، الهند.
Subscribe to:
Posts (Atom)