Monday, November 8, 2010

محمد احمد عبدالولي 1940- 1973


 محمد احمد عبدالولي 1940- 1973


ولد محمد عبد الولي في 12 نوفمبر 1939م بمدينة دبرهان الأثيوبية عن أب يمني وأم أثيوبية، وكان والده من المهاجرين الذين انضموا إلى حركة الأحرار اليمنيين.

    * أمضى طفولته في أثيوبيا، حيث درس في مدرسة الجالية اليمنية بأديس أبابا من ثم عاد من غربته سنة 1946م.
    * سافر للدراسة في الأزهر يمصر سنة 1955م، وشارك في تأسيس أول رابطة للطلبة اليمنيين التي انعقد مؤتمرها التأسيسي سنة 1956م.
    * طرد مع 24 طالبا من مصر سنة 1959م، بتهمة الانتماء إلى الشيوعية، وسافر بعدها إلى موسكو ودرس في معهد غوركي للآداب الشهير لمدة عامين، من ثم عاد إلى أرض الوطن بعد الثورة في شمال الوطن في سنة 1962م.
    * انضم للسلك الدبلوماسي قائماً بأعمال سفارات الجمهورية العربية اليمنية في موسكو وغيرها من البلدان إلى أن تفرغ لافتتاح داراً للنشر بتعز.
    * سجن بعدها لمدة عام سنة 1968م، وأعيد إلى سجن القلعة مكبلاً بالقيود مرة أخرى سنة 1972م.
    * له عدة أعمال طبعت منها مجموعته الأولى سنة 1966م ومجموعته الثانية سنة 1972م. وترجمت بعض أعماله إلى الفرنسية والروسية والألمانية والإنكليزية.
    * أشهر روايته "يموتون غرباء" مسلسلة في صحيفة "الشرارة" عام 1971م ومن ثم طبعت في بيروت في دار العودة عام 1973م. وله رواية أخرى هي "صنعاء مدينة مفتوحة"، وقد تعرضت الأخيرة لحملة تكفير عام 2000م.
    * توفى في حادث انفجار طائرة كانت تقل دبلوماسيين من جنوب اليمن
           30/4/1973م.  
                                                      **
شهدت القصة اليمنية في حياة محمد أحمد عبدالولي ازدهاراً لم يسبق له مثيل. ويعود الفضل في ذلك إلى تنوع تجربته وثقافته وموهبته الفنية التي صقلها بدراسة فن القصة. ولم يعتمد على جهده الفردي الذي اكتسبه من القراءة المتواصلة وإنما تابع أثناء دراسته في مصر كل الندوات والمحاضرات ودرس في معهد جوركي للآداب في موسكو مدة عامين.
لقد تعرف عن كثب بكبار أساتذة القصة القصيرة العرب والأجانب. وسمع تقييماً كم كبار الأساتذة لانتاجه القصصي المترجم إلى اللغة الروسية. وكان يحب في بداية حياته القصصية تشيخوف ويوسف إدريس وحنامينا وغيرهم إلى درجة الجنون.
ورغم ذلك، لم يقع كغيره من الناشئين في شبكة التقليد والمحاكاة. وظل يكتب على سجيته، دون التفات إلى حصيلته الثقافية.. فلقد كانت مرارة التجربة التي عاشها في الطفولة والصبا هي المسيطر الأول على كل إنتاجه.
وقع في إحدى قصصه التي لم تنشر بعد ضحية هذه المرارة والشعور بالغربة. فحول القصيدة الشهيرة لمحمد أنعم غالب " الطريق " إلى قصة، لأنها تتحدث عن حالة المهاجر وذويه وبيته في الوطن:
" يا بيتنا على التلال
أني أراه طيف ".
إذن فمحمد أحمد عبدالولي قد سخر ثقافته للتعبير عن هذا الكنز من الملاحظات في المهجر أولاً ثم الوطن، خاصة في السنين الأخيرة.
وأثرى القصة القصيرة اليمنية. ومضى مع زملائه على باذيب وأحمد محفوظ عمر وعلي محمد عبده وغيرهم على هذا الطريق الذي لم يتوان عنه يوماً واحداً منذ عام 1954م.
ومحمد عبدالولي قاض سياسي واجتماعي.. وتتميز قصصه عن بقية  القصص اليمنية بالمواكبة الفعلية للقصة العربية والعالمية من حيث الشكل والمضمون.
فمنذ نهاية الثلاثينات والقصة اليمنية تتخذ طابع الخطابة والوعظ الاجتماعي والسياسي أو تنح ومنحى رومانتيكياً فيما بعد. وقد تأثر أول كاتب قصة يمنية، البراق بأسلوب المنفلوطي في الوعظ، وكان كتاب القصة في عدن حتى عام 1956 مجرد رواة عن حب رقيق مصدره الثقافة وليس الواقع. وكتب الدخان مقطوعات شاعرية صغيرة في الصحف العدنية ثم طبعها في كتيب وانهى علاقته بالقصة. وبدأ علي باذيب يكتب القصة السياسية المباشرة بأسلوب حديث.
كل هذه المحاولات المتنوعة. كانت بداية للقصة القصيرة اليمنية التي مضى على دربها وطورها بشكل جدي محمد أحمد عبدالولي وعلي باذيب وأحمد محفوظ عمر ومحمد الزرقة وزيد مطيع دماج وعلي محمد عبده وغيرهم من الشباب.
كان قاصنا الشهيد أكثر القصصيين اليمنيين انتاجاً وطموحاً للنشر.
فقد أصدر مجموعته الأولى " الأرض يا سلمى " جمع فيها باكورة انتاجه وانطباعاته عن الوطن والغربة. وأصدر مجموعة أخرى باسم " شيء اسمه الحنين " في نهاية عام 1972.
                                                          ***

محمد أحمد  عبدالولي قاص وروائي وكاتب مسرحي من اليمن يعتبره النقاد رائد القصة القصيرة بحق في اليمن، وتحديداً مرحلة الستينيات التي أخذ فيها هذا الشكل السردي يتبلور تدريجياً في اليمن. ذلك أن عبقريته الإبداعية التي استمرت حتى أوائل السبعينيات(زمن وفاته)تجلت أكثر ما تجلت في المعالجة الفنية لجملة من القضايا الاجتماعية: قضية الهجرة من الوطن خاصة وما نتج عنها من قضايا و" مواقف" إشكالية من قبيل قضايا الوجود وموقفه من الدين والله والمرأة، الناتجة كلها عن الظلم الاجتماعي والقهر السياسي. وهذا الأخير يعد" كما يؤرخ اليمنيون لذلك" السبب الرئيسي في هجرة الإنسان اليمني إلى خارج الوطن قراراً من بطش الإمام وقهره الفارض على الناس شتى ألوان العزلة والتخلف والجهل والفقر، المؤدية جميعها إلى بروز ظاهرة الهجرة اليمنية طلباً للرزق وإثبات الذات المفقودة داخل الوطن، فعلى سبيل المثال موقفه من قضية المرأة التي تركها زوجها المهاجر إلى خارج الوطن وهي تعاني من ويلات الوحدة وحملها مسؤولية تربية الأبناء ورعاية الأرض.
وكذا المرأة التي كانت تنتمي إلى ما كان يطلق عليهم بـ" المولّدين" وهم أبناء اليمن المهاجرين المولودين من أمهات حبشيات، كما يوضح كل ذلك موقف  عبدالولي الذي يعد استثنائيا من الوجهة الاجتماعية. ولذلك كان اختبارنا لعبدالولي دون غيره من كتاب القصة اليمنية. اختياراً مقصوداً ومستوعباً حجم الاستثنائية الذي اتسم به موقف  عبدالولي ووجهة نظرة.. الفنية، مادمنا نفهم الرؤية في إبراز معانيها النقدية مرادفة لمصطلح وجهة النظر الذي ينطلق من تقنية الراوي في علاقته بعالمه الحكائي(القصصي أو الروائي).
 

Sunday, October 10, 2010

الروايه التاريخية في الأدب العربي



الروايه التاريخية في الأدب العربي



    [ تعمد العلوم الإنسانية المختلفة إلى دراسة العلاقة الجدلية بين الإنسان والتاريخ واستيعاب أبعادها ،من مثل ما تقدمه علوم التاريخ والأنثروبولوجية والاجتماع وغيرها من نظريات ومعارف ورؤى مختلفة ،وذلك في محاولة لتفسير العلاقة المركبة بين الإنسان من جهة، والمنظومة التاريخية والثقافية من جهة أخرى .

    والرواية ذلك الجنس الأدبي النثري السردي التخيلي ، تحاول التقاط ما هو جوهري وجدلي في علاقة الإنسان بالتاريخ، لتسهم بشكل فاعل وحاضر في تقديم صورها لهذه العلاقة وفق منظورها الفني الخاص ، وضمن حقول الفن والآداب المختلفة، جنباً إلى جنب مع العلوم الإنسانية الأخرى .

    وإذا كانت الرواية بشكل عام " هي تاريخ متخيّل داخل التاريخ الموضوعي "(1) ـ كما يرى أحد النقاد ، فإن لنا أن نلتمس الخيط الذي يشد الرواية إلى التاريخ عبر اشتراكهما بالعناصر الرئيسية : الإنسان والزمان والمكان ، وأكثر من ذلك اشتراكهما بالقصّة أو الطابع القصصي.

    والرواية الأدبية إذ تفرز الرواية الاجتماعية والرواية الواقعية بأنواعها ، والرواية الجديدة، والرواية التاريخية وغيرها ، فإنّ لهذه الأخيرة علاقة خاصّة بالتاريخ ، مستمدة من موضوعها وأسلوبها ، فالرواية التاريخية تشترك مع الرواية الأدبية ـ بصورة عامّة ـ في وجود بنية تاريخيّة تتأسس عليها ، بمعنى وجود فضاء وأحداث وشخوص كما في الواقع ، إلاّ أن الرواية التاريخية تنطلق من أحداث وذوات حقيقية مختلفة في الغالب ، وتشكل جزءاً من تاريخنا وماضينا الممتد حتى اللحظة الراهنة .

    فالرواية ابتداء تقوم على بنية زمنية تاريخية ، تتشخص في فضاء تاريخي ، يمتد من الماضي وحتى اللحظة الراهنة أو القادمة ، تضيئه أحداث تحييها شخصيّات إنسانية فنيّة ، حيّة وكاملة .

    والرواية تعمل على استكناه وحدة الجوهر الإنساني الثابتة عبر امتداد التاريخ ، في سبيل التقاط كل ما هو إنساني وأصيل وصادق ، وهي إذ ذاك تستدخل نظرة علوم الاجتماع والتاريخ والفلسفة وعلم النفس لتدرس من خلالها أعماق النفس البشرية وكينونتها التاريخية والاجتماعية .

    ومن الصعب في تمهيد كهذا الإحاطة بمختلف القضايا والإشكاليات التي يطرحها "تصور الرواية التاريخية "في أدبنا العربي الحديث والمعاصر،بل إن الإحاطة بمختلف الأسئلة المتصلة بالرواية العربية عموماً ،تتنوع وتتعدد بحسب المقتضيات النظرية والتعبيرية التي تخص سؤال الكتابة وإنجازاته التخيلية ،وهذا ما يجعل أسئلة الرواية متجددة باستمرار ليبقى النثر الروائي

    إسهاماً معرفياً وثقافياً مخصّباً للرغائب والأحلام والذوات . غير أنّي سأحاول في هذا التمهيد تناول بعض المباحث التي تسهم في تقديم لمحات نظرية عن الرواية التاريخية ،من حيث التعريف ،وعلاقتها بالتاريخ،وحدودها الفنية والحقيقية .

    تعريف الرواية التاريخية :

    يعرّف جورج لوكاتش الرواية التاريخية بأنّها "رواية تاريخية حقيقية ، أي رواية تثير الحاضر،ويعيشها المعاصرون بوصفها تاريخهم السابق للذات "(2).فهي بالتالي "عمل فنّي يتخذ من التاريخ مادة له،ولكنّها لا تنقل التاريخ بحرفيته ،بقدر ما تصوّر رؤية الفنّان له وتوظيفه لهذه الرؤية للتعبير عن تجربة من تجاربه ،أوموقف من مجتمعه يتخذ من التاريخ ذريعة له"(3)

    علاقة الرواية التاريخية بالتاريخ :

    إنّ الاعتماد على التعاريف المخصصة لكل إسناد نظري يبحث في علاقة الرواية بالتاريخ من شأنه أن يقود الباحث نحو إعادة التفكير في إشكال كبير يخص علاقة الأدب بالتاريخ وهذا يجعلنا نطرح عدّة أسئلة من مثل :هل الرواية التاريخية هي التي تعتمد الحدث التاريخي مرجعيّة للحدث الروائي ؟وبالتالي فإنّ في هذه الحالة مرجعيتين :مرجعية حقيقية متّصلة بالحدث التاريخي ،ومرجعية تخيلية مقترنة بالحدث الروائي .

    وهذا يصل بنا إلى سؤال هام :كيف يشتغل الحدث التاريخي ضمن الحدث الروائي؟ أي كيف يشتغل الحقيقي ضمن التخييلي؟وسأحاول هنا الوصول للإجابة عن هذه الأسئلة.

    على الرغم من حبّ الإنسان الشديد للماضي بكل ما فيه من تفاصيل وخبرات ـ فالماضي ملك التاريخ ،والتاريخ حافظه ـ ،نجده غالباً ما يعزف عن قراءة كتب التاريخ ،ويمل الحياة بين صفحات هذه المراجع المملوءة بالحشود الهائلة من الأحداث المملة والأخبار المتشابهة ،لاسيّما أنّ أكثر المؤرخين قد يجيدون جمع الأخبار ومقارنتها والاستنتاج منها ،إلاّ أنّهم يقومون بهذا في إطار علمي جاف،ويعرضونها عرضاً قد يكون مملاًّ يغري النّاس بالزهد في كتب التاريخ والوقوف على حوادثه وأخباره .والعنصر الأدبي لازم في كتابة التاريخ ،فإذا أبعد من ناحية احتال على الدخول من منفذ آخر .والشعور بالحاجة إلى هذا العنصر الأدبي هو الذي ساعد على ميلاد الرواية التاريخية ،لأنّ التاريخ يبعث في النفس البشرية التوق للماضي وتقليده في جوانب الخير والحذر من الانزلاق في ثغرات البشرية التليدة والتاريخ حين يصبح بأحداثه وشخصيّاته مادة للرواية ،فإنّه يصير بعثاً كاملاً للماضي ،يرتبط فيه الحاضر بالماضي الخالد في رؤية فنيّة شاملة ،فيها من الفن روعة الخيال وجاذبية الذكرى ،ومن التاريخ صدق الحقيقة .ولعلّ هذا يفسر جاذبيّة الرواية التاريخية التي تحاول أن ترد الحاضر لشيء كان موجوداً فعلاً ، فالقارئ وهو يقرأ الرواية التاريخية يشعر أنّ ما يقرؤه ليس من صنع خيال المؤلّف ،فالخيال وظيفته هنا هو تشكيل الصورة التي كانت عليها الحياة في العهد القديم ورسمها دون تحريف أو زيادة أونقصان ،بيد أنّ الأديب غيّر في مجريات الحدث التاريخي لينسجم البناء الفنّي مع ما يدور في خلده ووجدانه .

    وليصل الأديب في كتابة الرواية التاريخية إلى هذا الغرض من الفائدة والمتعة عليه أن يقرأ التاريخ "قراءة تعمر نفسه بأحداثها وتمتلئ مشاعره بمواقفها ،وسوف يتأثر بها تأثراً يملك عليه نفسه ويستولي على خاطره، وبذلك يندفع للترجمة عن مشاعره والتعبير عن أحاسيسه ،ويصوّر لك نفسيته حينما لامسته تلك الشرارة من الذكرى مما يجعل إنتاجه صورة صادقة من نفسه وفكره وترجمة عن أحاسيسه وعواطفه حيال تلك الحادثة أو البطل الذي عمر نفسه وملأ فؤاده وملك عليه خاطره "(4)فالتاريخ في صورته المعروفة ما هو إلاّ حقائق مجرّدة لها وجود محدد، وقد أعدت سلفاً وبمجرد دخول هذه الحقائق التاريخية في إطار العمل الأدبي يتحول العنصر التاريخي إلى عنصرأدبي. وفيما يتعلّق بالتزام الروائي حقائق التاريخ،يقول لوكاتش :

    "يجب أن تكون الرواية أمينة للتاريخ ، بالرغم من بطلها المبتدع وحبكتها المتخيلة "(5)

    والناقد هنا يرى أمرين ،يتمثل الأول في ضرورة الالتزام بحقائق التاريخ الكبرى دونما تغيير أو تزييف ،فيما يقوم الأمر الثاني على جواز استيعاب الرواية التاريخية للبطل الروائي غير الحقيقي، والحبكة الفنية المتخيلة على خلفية صيرورة الأحداث التاريخية الحقيقية.

    والروائي في استلهامه للتاريخ يعيد ترتيب الأشياء وتوزيع الأدوار كما يريد، تأصيلاً لرؤيته التي يقيم بناءها في معماره الروائي الجديد.

    والروائي في انتخابه للأحداث التاريخية التي تشد نسيج النص ببنيته العميقة والشكلية المتماهيتين "يقدر المسافات، ويشكل الألوان، ويصور الأماكن والحالات، ويركب الحوارات، ويبني المشاهد، ويتعمق في الأمزجة، ويفسر المواقف، ويصوغ ردود الفعل، وينزل إلى حيث تمفصلات المجتمع في مكان وزمان معينين"(6). ليخلق بعد ذلك نصاً إبداعياً نواته وحدة التجربة الإنسانية، بمعنى أنّ ثمة أشياء تتجاوز المكان والزمان لتكون الجوهري في الإنسان.

    هل وجود بعض الأحداث التاريخية في الرواية يكفي للقول بأنها روايات تاريخية؟

    يكاد التاريخ أن يكون منظومة من الأحداث والتمثلات لواقع قائم، متجه نحو الماضي، في حين يكاد التاريخي يكون منظومة من الأحداث والتمثلات لواقع ممكن، متجه نحو المستقبل.ولعل هذا يجعل المسافة بين الواقع والقائم والواقع والممكن تماثل المسافة التي يختزلها سؤال الكتابة بين الحقيقة والاحتمال.

    إن التعامل مع التاريخ من حيث هو مكون روائي لايعني اعتماد التاريخ بديلاً للتخيل، وكأنّ الرواية التاريخية بتكامل مستويات البناء والتجنس لاتكمن في طبيعة الأحداث التي تعرض لها،بل في الطريقة التي تقدمها بها"(7) والعلاقة بين الرواية والتاريخ هي علاقة يتم في ضوئها تمثل البؤرةالسردية:الشخصية،الزمن،الفضاء....ولذلك،لاترتب ط الرواية بالتاريخ لتعيد التعبير السمة السردية للكتابة الروائية والتاريخية وتدقيق مجال الاشتغال والتفاعل والتنويع عما قاله التاريخ "بلغة أخرى"،واعتماد الرواية التاريخية على الحدث التاريخي لايعني أنها تعيد كتابة التاريخ بطريقة روائية فحسب بل قد ترتبط الرواية بالتاريخ للتعبير عمّا لا يقوله التاريخ.

    إنّ الرواية العربية، وهي لاتعيد استثمار التاريخ في إنتاجها للدلالة الروائية، تقدّم توظيفات مختلفة في الفهم والقصد، لأنّها تختار كيفية محددة في القول والتركيب وإنتاج التخييل، ولأنها تعبر أيضاً عن الحاجة إلى الرواية، والحاجة لأن تكون تاريخية كذلك.

    ويمكننا القول إنّ الرواية التاريخية هي نتيجة امتزاج التاريخ بالأدب؛فالتاريخ ما هو إلاّ حقائق مجرّدة لوقائع تاريخية معينة سواء كان الأمر يتعلّق بالحوادث أو بالشخصيّات ،بيد أنّ هذا التاريخ المجرد عندما يدخل بنية أساسية تعتمد عليها الرواية يأخذ شكلاً جديداً؛ بحيث يصبح عنصراً فنيّاً من عناصر تكوين الرواية، فيخضع حينها لكاتب الرواية الذي يفسره وفقاً لمزاجه الشخصي، لذا فإن "كتابة الرواية التاريخية محفوفة بالمزالق لأنّ الشخصيّات في التاريخ لها وجود محدد، أو بعبارة أخرى هي معدّة سلفاً وكذلك الأحداث التاريخية والمكان والزمان وغيرها، وعلى الفنّان أن يصوغها صياغة جديدة لا أن ينقلها كما هي في التاريخ، وهذا العمل هو الذي يجعل اتخاذ التاريخ مادة للرواية عملاً مشروعاً "(8) لكن يشترط في هذه الصياغة للمادة التاريخية أن تحافظ على كنهها وواقعيتها التاريخية كما هي، فيؤذن للروائي أن يحذف أو يزيد على الحدث التاريخي؛لكن ضمن ضوابط المحافظة على جوهر المادة التاريخية المعاد صياغتها في العمل الأدبي.

    وهناك علاقة طبيعية بين التاريخ والفن الروائي، فالمؤرخ حين يعمد إلى تصوير التاريخ وتسجيل أحداثه عليه "أن يلزم شكلاً من الأشكال السردية الثلاثة، وهي :الحوليّات والأخبار والتاريخ.

    أمّا الحوليّات annals ، فمعناها سنوياً وهي مشتقّة من أصل لاتيني.

    أمّا الأخبار chronicles ، فالأصل يرجع إلى اليونانية chronika وتعني زمنياً .

    ومن هنا يتضح أنّ المصطلحين (الحوليات والأخبار) مشتقّان من فكرة الزمن، فهما سجل أو قائمة أحداث مرئية مرتبة ترتيباً زمنياً، ولايظهر منها المحور الاجتماعي الذي يصور أحوال الأمّة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أي دون احتوائهما للعنصر القصصي.

    أمّا المصطلح الثالث، التاريخ history فهو يعني قصة وتاريخاً في آن واحد ـ أي أنّ التاريخ هو احتواء للأحداث في قالب قصصي، يعنى المؤرّخ فيه بذكر الأنظمة الاجتماعية والسياسية السائدة من حوله في سرده لأحداث التاريخ مما يقرب عمله هذا من عمل روائي؛ حتى قال كروتشة :

    "لا تاريخ بلا قص"أي أنه ليس هناك مانع من إضفاء البنية القصصية أثناء تناول أحداث التاريخ وتسجيلها"(9).

    ومن هنا يتضح لنا وجود ارتباط فطري بين التاريخ والفن الروائي،إذ إن كليهما يتضمن سرد الأحداث بشكل قصصي. ولوجود هذه العلاقة بين الفن والتاريخ اتجه الكتّاب إلى قراءة هذا المصدر الثري،وهضم صوره وصياغة موضوعاته صياغة حيّة نابضة لتغدو وسيلة للتعبير من خلالها عن أنفسهم ذواتاً تحس وقلوباً تنبض.

    بداية ظهور الرواية التاريخية الغربية والعربية

    يذهب الدارسون إلى القول إن "الرواية الغربية [نشأت] في مطلع القرن التاسع عشر،وذلك زمن انهيار "نابليون"على يد الكاتب الاسكتلندي والتر سكوت 1771 ـ 1832م إذظهرت رواية سكوت "ويفرلي"عام 1814م"(10)، وإن معظم من جاءوا بعده اهتدوا بما قرره وساروا على نهجه .وقد كتب سكوت سلسلة طويلة من القصص التاريخي لاقت نجاحاً كبيراً في إنكلترا وله أعمال أدبية متعددة، من أشهرها الرواية التاريخية (ايفانهو) سنة 1819م، و(الطلسم) سنة 1825،ولقد تبع سكوت في كتابة القصة التاريخية عدد كثير من الروائيين، فمن إنكلترا سار على نهجه (بالورليتون وجورج البوت) وغيرهما.ولم يقتصر تأثيره الفني على إنكلترا وحدها بل تعداه إلى فرنسا وروسيا وأمريكا "(11)فظهر في الأدب الفرنسي الحديث (الكسندر دوماس الأب 1802 ـ 1870)، وقد نشر من سنة 1844 ـ 1852م رواياته الشهيرة التي سارت بالقارئ من عصر لويس الثالث عشر إلى عودة الملكية خلال الحوادث الرئيسية في التاريخ الفرنسي "وقد تبع الكسندر دوماس في هذا الاتجاه الكاتب الفرنسي (فيكتور هيجو)(12)، وكتب هيجو "روايتين تاريخيتين بينهما حوالي أربعين سنة هما: نوتردام دو باري سنة 1831م ، وكاتر فان تريز سنة 1873م"(13) ومن هذين الأديبين انتقل هذا اللون الروائي التاريخي إلى سائر الآداب العالمية الأخرى، ففي الأدب الروسي مثلاً نجد "ليوتولستوى..1828 ـ 1910، الذي كتب روايته (الحرب والسلام) التي تعد أعظم الروايات التاريخية..(14)

    أما الرواية التاريخية العربية فقد اختلفت آراء النقاد المحدثين في جذورها، وانقسموا في هذا الإطار إلى ثلاثة اتجاهات :

    الأول : يرى أنّ القصة التاريخية "كانت تطوراً طبيعياً عن التراث العربي القصصي"(15)

    أمّا الاتجاه الثاني ،فإنّه يقرر بـ"أن القصة التاريخية الحديثة لم تكن امتداداً للقصّة التاريخية القديمة كقصّة عنترة والسيرة الهلالية وسيرة الأميرة ذات الهمّة وسيرة الظاهر بيبرس وغيرها، فقد زال هذا النوع من الأدب الذي كان صدى للبيئة التي وجد فيها ...، وما هي إلاّ فرع من فروع الثقافة التي جاءتنا عن الغرب في النهضة الحديثة."(16)

    ويرى أصحاب الاتجاه الثالث أن الرواية التاريخية نشأت نتيجة مزاوجة بين الموروث من التراث العربي القديم وبين ما جاءنا من الغرب حيث "تمخض الوعي عن حركة مزاوجة كبرى بين القصص القومي القديم بألوانه التقليدية والعصرية والشعبية والتجارية وبين المثل العليا الغربية والإنسانية للقصة، ونتج عن حركة المزاوجة انقسام القصص الفني إلى قصص تاريخي طويل وقصير إلى قصص اجتماعي طويل وقصير"(17).

    وأرى أنّ للعرب إرثهم القصصي الشعبي كالسير والتخيلات القصصية والشعبية والقصص الشعري، فلا أحد يستطيع أن ينكر هذا الضرب من الفن القديم . وطبيعة الشعوب أنّ بعضها يفيد من بعض، فالأوروبيون مثلاً في العصر الحديث أفادوا من قصص ألف ليلة وليلة ووظفوها في أعمالهم القصصية ، وأنتجوا فناً متقدماً من الأدب تجاوز المنثور إلى الممثل والمرئي، فالحال نفسه عند العرب الذين أفادوا من الخطوات الأوروبية في الرواية الحديثة، فنسجوا على منوالها أدباً جديداً يحاكي الأدب الأوروبي عرف باسم الرواية التاريخية العربية.

    ويمثل سليم البستاني وجورجي زيدان وأنطون فرح ويعقوب صروف وأمين ناصر وغيرهم الجيل الأول من كتاب القصة والرواية التاريخية، وهو الجيل الذي انصرف جهده إلى التاريخ في سياق حكايات تكون أكثر تسلية وتشويقاً للقارئ (18)، ثم تبعهم الجيل الثاني؛ جيل الذين "استلهموا لحظات ومواقف قديمة من التاريخ العربي والإسلامي، وكان هذا الاستلهام للأشكال والموضوعات التراثية والوطنية والاجتماعية والأخلاقية والعاطفية تجليات أدبية ـ بمستويات أدبية ودلالية مختلفة ـ لمحاولات إبراز الذات القومية في مواجهة الغرب"(19) واستلهم بعض الكتاب هذا التراث في رواياتهم بهدف بعث أمجاد الماضي وبطولاته، ومن هؤلاء عادل كامل ونجيب محفوظ وعبدالحميد جودة السحّار ومحمد فريد أبو حديد وعلي أحمد باكثير وعلي الجارم،وقد صدرت روايات هؤلاء في الأربعينات"(20)وعلى الرغم من هذا العدد الوافر من الروائيين الذين كتبوا الرواية التاريخية في فترة متقدمة، إلاّ أنّ المنحى التاريخي يحتاج من القاص أو الروائي إلى وعي عميق ومعرفة شاملة بالحياة الاجتماعية خلال الفترة التي يؤرخ لها فنياً،وعلى ذلك جاءت أعمال باكثير التاريخية، فيها نوع ملموس من التوازن بين متطلبات الحياة الاجتماعية والفنية، وتطلعه الجاد نحو تأصيل فني للرواية التاريخية الإسلامية، وبذلك جاء الحدث التاريخي في رواياته مرتبطاً بالرؤية الاجتماعية التي كانت تنطلق من التاريخ وتميل به إلى معالجة الواقع .

    ومن ثم نستطيع القول: إنّ الرواية الفنية التي ظهرت مؤخراً في البيئة العربية قد تفرعت وتعددت ألوانها، يظهر هذا في التصنيف الذي أعده الدكتور محمد مندور للاتجاه القصصي الحديث عند العرب؛ بادئاً بأول نوع تفرع عن القصة الفنية الحديثة عند العرب وهو "الاتجاه التاريخي الذي ابتدأه جورجي زيدان ،وجاء بعده فريد أبو حديد فجدد في معناه وحدد من وسائله وأوشك أن يخلقه خلقاً جديداً في "الملك الضليل"و"زنوبيا"، وتبعه في ذلك شاب ينبعث منه الأمل وهو علي أحمد باكثير كاتب "أخناتون" و"سلامة القس" و"جهاد " التي نالت إحدى جوائز وزارة المعارف، أما القصة التحليلية فتمثلها "سارة " للعقّاد، أما أدب الفكرة الذي يصدر عنه توفيق الحكيم، ومنحى طه حسين الذي يتميز بموسيقاه وتدفق عواطفه، وأخيراً لدينا الأدب الواقعي الذي برع فيه محمود تيمور".(21)

    وتعد الفترة "مابين 1939 ـ 1952 هي الفترة التي بدأ فيها التحول الحقيقي نحو اعتبار الرواية فناً يمكن أن تتوفر جهود الكاتب عليه، وفيها اتضحت معالم اتجاهات فنية وموضوعية، بحيث لم يعد الكاتب يعتمد على مغامراته الفردية ، وإنما يستند إلى تجارب سبقته على الطريق وإلى أسس ينطلق منها معاصروه من الكتّاب، فالاتجاه نحو استلهام التاريخ أصبح يشكل معلماً واضحاً"(22)، فاهتم الأدباء والكتّاب بكتابة الرواية التاريخية التي تعالج القضايا المعاصرة في الساحة العربية. وهذه الفترة هي فترة النضج للرواية التاريخية، ولا أقصد التقليل من شأن الروايات التاريخية التي كتبت فيما بعد ولكنني أحسب أنّها جاءت صدى لروايات تلك الفترة.

    وإبان تلك الفترة ظهر تيّاران نقديّان: تيّار يدعو إلى التجديد والأخذ بأسباب الحضارة الأوروبية في جميع العلوم الأدبية والعلمية . وتيّار يدعو إلى المحافظة على القديم وخاصّة التراث العربي الموروث، وكانت وسيلة أصحاب هذا التيار "العمل على إحياء تراث العروبة في الدين والعلم والفن"(23) فكان من الطبيعي أن يتجه أنصار التيار الثاني إلى التاريخ ليختاروا منه ما يصلح أن يكون مادة لقصصهم لخدمة أهداف تيارهم.

    ولعل هذا يفسر لنا سبب إقبال الأدباء ذوي الطابع الديني غالباً على كتابة القصّة التاريخية.

    والنّاظر في تلك الحقبة الزمنية التي انبثقت منها الرواية التاريخية يمكنه أن يعيد ازدهار الرواية التاريخية إلى عاملين :

    أولاً :ـ ارتباط ذلك القصص بالحركات الثورية الإسلامية منها والقومية، إذ إنّ كتابتها وقراءتها كانت نوعاً من مقاومة الاستعمار، وكان يلجأ إليها الأديب تعبيراً عن شعوره القومي الذي يخفيه خشية من بطش المحتل.

    ثانياً :ـ وجود هذا النوع من القصص كان صدى للنزعة العامّة للعصر حينذاك التي كانت تدعو إلى إحياء التراث الإسلامي والمحافظة عليه لمواجهة التيارات الأوروبية الوافدة ـ كما بينت آنفاً ـ .

    من هنا نستطيع التأكيد بأنّ الرواية التاريخية في تلك الفترة بالذات استطاعت أن تعبر عن التيارات الفكرية التي كان يموج فيها الواقع، وتفرضها الأحوال المعيشية والظروف السياسية والاقتصادية .

   



«الرواية التاريخية» إلى «التخيّل التاريخي»



آن الأوان لاستخدام مصطلح «التخيّل التاريخي» بدل مصطلح «الرواية التاريخية»، فهذا الاستبدال يدفع بالكتابة السردية التاريخية إلى تخطّي مشكلة حدود الأنواع الأدبية ووظائفها، ثم إنه يفكك ثنائية التاريخ والرواية، ويعيد دمجهما في هوية سردية جديدة، ولا يرهن نفسه لأي منهما، كما أنه سوف يتجاوز أمر البحث في مدى توفر الكتابة على مبدأ المطابقة مع المرجعيات التاريخية، ومدى الإفراط في التخيلات السردية، ثم إنه ينفتح على الكتابة الجديدة التي لم تعد حاملة للتاريخ، ولا معرّفة به، إنما باحثة في طياته عن العِبر المتناظرة، والتماثلات الرمزية، والتأملات، والمصائر، والتوترات، والتجارب، والانهيارات القيمية، والتطلعات الكبرى، فكل هذه المسارات الكبرى في «التخيّل التاريخي» تنقل الكتابة السردية من موقع جرى تثبيت حدوده بصرامة إلى تخوم رحبة للكتابة المفتوحة على الماضي والحاضر بالدرجة نفسها من الحرية والاهتمام.

ويمكن القول بأن «التخيّل التاريخي» هو المادة التاريخية المتشكّلة بواسطة السرد، وقد انقطعت عن وظيفتها المرجعية واكتسبت وظيفة جمالية؛ فأصبحت توحي بما كانت تحيل عليه لكنها لا تقرّره، فيكون التخيّل التاريخي من نتاج العلاقة المتفاعلة بين السرد المُعزّز بالخيال والتاريخ المُدعّم بالوقائع، وقد ظهر على خلفية من أزمات ثقافية لها صلة بالهوية، والرغبة في التأصيل، والشرود نحو الماضي بوصفه مكافئا سرديا لحاضر كثيف تتضارب فيه الرؤى، وتتعارض فيه وجهات النظر، فوصول الأمم إلى مفترق طرق في مصائرها يدفع بسؤال الهوية التاريخية إلى المقدمة، ولكن الخطر ينبثق حينما يروّج لوهم مفاده أنه بالارتماء السلبي في أحضان التاريخ يمكن تجنّب رهانات الحاضر المعقّدة، فيصبح الاتكاء على الماضي ذريعة لإنتاج هوية تقول بالصفاء الكامل، والنقاء المطلق. إن وجود الماضي في قلب الحاضر يكون مهما بمقدار تحوّله إلى عبرة، وتجربة للتأمّل.

تحتلّ التخيلات التاريخية منطقة التخوم الفاصلة بين الواقعي والخيالي. ولطالما نظر إليها على أنها منشطرة بين صيغتين كبريين من صيغ التعبير: الموضوعية والذاتية، فهي نصوص سردية أعيد حبك موادها التاريخية، فامتثلت لشروط الخطاب الأدبي، وانفصلت عن سياقاتها الحقيقة، ثم اندرجت في سياقات مجازية، فابتكار حبكة للمادة التاريخية هو الذي يحيلها إلى مادة سردية، وهذا يعني إعادة إنتاج التاريخ بالسرد، وما الحبكة إلا استنباط مركز ناظم للأحداث المتناثرة في إطار سردي محدّد المعالم.

ولطالما ارتسم، على مستوى الأنواع الأدبية، تناقض واضح بين التوثيق التاريخي، والسرد الخيالي، ذلك أنهما «يختلفان في طبيعة الاتفاق الضمني المعقود بين الكاتب وبين قارئه». ومعلوم بأن هذا الاتفاق عرفي لكنه «يُبنى على توقّعات مختلفة من ناحية القارئ، ووعود مختلفة من ناحية المؤلف»، فحينما يفتح قارئ صفحات كتاب روائي، فإنه يهيّئ «نفسه ليدخل عالما غير واقعي» وفي هذا العالم الجديد فإن «معرفة مكان وقوع الأحداث وزمانها هي مسألة في غير محلّها». ولكن حينما «يفتح القارئ كتاب تاريخ يتوقّع أن يدخل، تحت قيادة الأرشيف، في عالم من الأحداث التي حصلت بالفعل». إلى ذلك فإنه يأخذ حذره ويطلب خطابا إن لم يكن صحيحا بصورة تامة «فعلى الأقل (يكون) ممكنا وقابلا للتصديق ومحتملا، وفي كل حال أمينا وصادقا». ذلك ما توصل إليه «بول ريكور».

ثم جرى التفريق بين التاريخ الذي هو «خطاب نفعي يسعى إلى الكشف عن القوانين المتحكّمة في تتابع الوقائع» والسرد الذي هو «خطاب جمالي تقدّم فيه الوظيفة الإنشائية على الوظيفة المرجعية» كما يقول محمد القاضي، فينتج عن هذا أمران، أولهما أجناسي يتصل بـ «العلاقة بين الوظيفتين المرجعية والتخيلية في الخطابين التاريخي والأدبي. فالمؤرخ وإن خيّل يظل متحركا في مجال المرجع، أما الروائي فإنه وإن رجع إلى الواقع ماضيا أو حاضرا يظل خطابه مندرجا في حقل التخيل. فالتاريخ يقدّم نفسه على أنه انعكاس وصياغة لفظية لأحداث واقعة، أما الرواية فتقدّم على أنها إبداع وإنشاء لعالم محتمل». وثانيهما يختص بنظرية الأدب «ومدارها على علاقة التناقض بين الخطابين التاريخي والروائي، فليس من شكّ في أن الرواية التاريخية تنطلق من الخطاب التاريخي، ولكنها لا تنتسخه بل تجري عليه ضروبا من التحويل حتى تخرج منه خطابا جديدا له مواصفات خاصة ورسالة تختلف اختلافا جذريا عن الرسالة التي جاء التاريخ مضطلعا بها».

وعلى هذا يندرج التاريخ في «منظومة الأجناس ذات الغاية النفعية» وتندرج الرواية في «منظومة الأجناس ذات الغاية الجمالية». ثم تندمج هذه الثنائية في الرواية التاريخية التي تتميز عن غيرها من أنواع الكتابة التخيلية بكونها «تعلن استنادها إلى حوادث ماضية دوّنها السابقون، ومن ثمّ فإنها تستمد وجودها من الدوران حول هذا النص أو النصوص الماضية، مما يكتّف صلتها بهذه الوقائع ويضفي على عالمها صبغة مرجعية واضحة»، فهويتها السردية تتحدد من خلال «التنازع بين التخيّلي والمرجعي». فتكون الراوية التاريخية نوعا من السرد الذي «يرمي إلى إعادة بناء حقبة من الماضي بطريقة تخّيلية حيث تتداخل شخصيات تاريخية مع شخصيات متخيلة».

 ** منشور في صحيفة "العرب" القطرية في 28 إبريل 2010



Thursday, October 7, 2010

فاطمة يوسف العلي وقصتها في قاعة المحكمة

استطاعت الكاتبة فاطمة يوسف العلى فى مجموعتها الجديدة " لسميرة وأخواتها " أنت تحقق انجازا جماليا ومعرفيا وذلك من خلال صياغات جديدة لإستنطاق المسكوت عنه فى حياة المرأة العربية ,ومن ثم تجاوزت القضايا التى تثيرها قطرا بعينه واقتربت بل توحدت الهموم فأصبحت تستوعب المرأة العربية فى أى قطر كانت , ويبدو أن مرحلة النضج الفنى وخبرات الكتابة والتجربة الخصبة , كل ذلك أسهم بشكل واضح فى الوصول إلى هذه الدرجة من التميز , وهذا لا يمنع من الإشتباك النقدى مع هذه القصص التى يجب أن تحظى بنوع من الغربلة النقدية , فهذه القصص تثير أسئلة هامة وتتضمن فى نسيجها اشكاليات جمالية ومعرفية ويبدو أن الكاتبة أرادت هذه المرة أن تغامر وتسبح فى محيط التجريب والتحديث ومن ثم قدمت لمشروعها هذا فى قصتها الأولى التى تحمل عنوان " فى قاعة المحكمة " فالشخصية المحورية فى هذه القصة وهى " وعد " متهمة , والإتهام موجه لها كما نرى
- يا وعد , قولى لهم , قولى لهم يا وعد , ماذا فعلت بالحروف والكلمات والجمل , أنت تعلمين فعلتك النكراء , وتطاولك على حمرة الخجل اللغوى وتعبثين فى اللغة بحجة التجديد وأنت تعلمين أن التجديد فى اللغة قمة الهذيان , حتى لا يستطيع أحد أن يمسك فيك كتفا أو رجلا , أنت متخمة بالتهيؤ يا وعد الأن ارتفعى الى مستوى نخاعى , وارفضى الإتهام
الكاتبة تطرح قضية اللغة التى هى أساس كل تجريب وتجديد والذى هو فى نظر البعض مجرد هذيان , وهذه هى القيمة الجمالية التى تثيرها القصص , أما القيمة المعرفية المقترنة بها والتى تكشف وتفصح عن المستور فقد جاء ذلك على لسان القاضى وهو يخاطب " وعد "
- تحدثى يا وعد , حذار أن تلعنى الفساد وتهاجمى البلاد , وتنتقدى الأولاد والعباد , تناسى القهر والشهر والمهر , والحرب والدرب والكرب , وكل ما مال , فالمال سال , والحال فى أفضل حال , وننعم براحة البال , بعد أن نفذنا والحمد لله طلبات أم العيال
هكذا تكون القصة الاولى فى المجموعة هى المفتاح للقصص الأخرى جماليا ومعرفيا , وكما أبحرت الكاتبة وغامرت فإن المتلقى مدعو إلى المغامرة لأنه الأولى بذلك فقد انتقلت السلطة من المؤلف إلى النص إلى القارىء , فهو مستودع الخبرات ومصدر التأويلات ومشارك فى صنع الدلالة
تحاول الكاتبة أن تطرح اشكالية جديدة تصدم بها الجميع وتكسب بها أرضا جديدة للمرأة وهى ارتباط اللغة بالأنثى , وهذا ما جاء فى دفاعها أمام المحكمة
- وحتى لا أطيل على عدالة المحكمة , ألخص دفاعى عن قضيتى التى لا يملك مثلى الدفاع عنها , أن تسمح لى عدالة المحكمة بأن أجمع عنفوان الشباب لهذه اللغة , إننى سيدى القاضى أعلم باللغة من أهلها , أنا التى حملتها فى رحمى ترنيما وغناء وكلاما وحديثا شفهيا , وربيتها بين الإنجاب , حتى استطاب نغمها واستجاب , لكل الأحباب , ونقلتها من مهد الملفوظ إلى المكتوب بصفو السحاب , واغتصبها الرجل منى باستبداده وسرقها , اللغة فى الأصل كانت فى دفتر حسابى تعاتبنى وأعاتبها ‘ن جاز عتابى , وأقربها وتقربنى إن غاب صوابى
حقوق المرأة المسلوبة من جانب الرجل , هى القضية التقليدية فى العلاقة بين الرجل والمرأة لكن أن يسرق الرجل اللغة التى هى ملك الأنثى ويسطو عليها هنا تكمن الإشكالية , نحن بصدد قضية جديدة فالأمر يرتد إلى أصل الأشياء , اللغة هى الأصل والصراع بين الرجل والمرأة على من يملك اللغة , وهنا تقرر الكاتبة أن المرأة هى الأصل لأنها تمتلك أصل الأشياء ألا وهى اللغة , وهنا يتداخل المعرفى مع الجمالى وتنصهر الفكرة مع الصورة , وينوحد المبنى مع المعنى
وإذا كانت هذه السمة هى الأكثر شيوعا فى المجموعة فهناك أيضا مجموعة من السمات والظواهر الفنية التى تحتفى بها القصص :
تميل القصص إلى الطول نسبيا , ومعظم القصص تزيد عن عشرين صفحة , ورغم هذا الطول النسبى فإن هذا الطول النسبى لم يفقدالقصص سمة القصة القصيرة من حيث التكثيف والتركيز وأسلوب صناعة الأزمة , فالقصة القصيرة هى فن صناعة الأزمة وهى العزف على أوتار الفكرة الواحدة كما أن معظم القصص تتسم بوجود المرأة كشخصية محورية , هى المرتكز الذى تدور فى فلكه الشخصيات الأخرى وتنسج من خلاله الأحداث , فالمرأة هى اللغة التى تتفجر وهى الجذر الذى يتفرع وأصل كل الأشيا

Thursday, September 30, 2010

الأندلس واللغة العربية

مفردات المادة

أولا / لمحة عامة يلقى فيها الضوء على:

    * الحركة الفكرية والنهضة الأدبية في الأندلس .
    * صلة الأندلس بالمشرق ( الصلة الثقافية والعلمية )
    * روافد الثقافة العربية في الأندلس .

ثانيا / دراسة الفنون الشعرية

ــ تركز هذه الفقرة على أبرز الشعراء الذين تأثروا بحركة التجديد في المشرق من أمثال : ( ابن عبد ربه , ابن دراج القسطلي ، ابن هاني الأندلسي ، ابن حزم ، ابن شهيد ) مع مراعاة الاتجاهات الأدبية والفكرية لكل شاعر .

ــ شعراء آخرون : ابن سهل الإسرائيلي , ابن الجيان الأنصاري ، ابن خاتمة ، ابن أبي زمنين ، أبو اسحق الابيري ، ابن عبدون ، ابن زيدون .

ثالثا / قضايا النقد الأدبي

يدرس فيها :

    * المعارضات وقيمتها الفنية
    * نماذج للمعارضات ( معارضة ابن عبد ربه لصريع الغواني ، معارضة ابن دراج القسطلي لأبي نواس ، معارضة ابن زيدون للبحتري .. ونحو ذلك )
    * آراء بعض الشعراء النقدية كابن شهيد في التوابع والزوابع ، ابن حزم في رسائله النثرية حول فضائل أهل الأندلس ، وابن بسام الشنتريني في الذخيرة .
    * توسط الشعر العربي في الأندلس بين مذهبي أبي تمام والبحتري .
    * أثر الفلسفة في الشعر العربي في الأندلس في عصوره المتأخرة .
    * الأدب العربي في الأندلس بين الإتباع والابتداع ـ شخصية الأدب في الأندلس ـ

رابعا / النثر الفني

    * فنون النثر في المشرق وتسللها إلى الأندلس من أمثال : نثر عبد الحميد وابن العميد والجاحظ وبديع الزمان وغيرهم , وظهور صداها في نثر ابن برد وابن زهر وابن زيدون وغيرهم، ثم مناقشة التميز الذي حدث في النثر الأندلسي وتأثيره فيما بعد في نثر بعض المشارقة ( نموذج أثر التوابع والزوابع في رسالة الغفران لأبي العلاء ....)
    * ثم تدرس نصوص نثرية من كل من : التوابع والزوابع ، طوق الحمامة ، رسائل ابن زيدون ( الرسالة الجدية والهزلية ) .

خامسا / التجديد في فنون الأدب ، ويدرس فيه

    * التجديد في الأغراض الشعرية ( شعر الاستغاثة ـ رثاء المدن) نماذج : ( نونية أبي البقاء الرندي ـ سينية ابن الأبار القضاعي )
    * التجديد في شعر الطبيعة ( إحلال وصف الطبيعة بدل المقدمة الطللية ـ المناظرة بين الورود والأزهار )
    * وصف الطبيعة بين المشارقة والأندلسيين ( نماذج لكل من الصنوبري وابن خفاجة وابن الزقاق البلنسي ) يركز في هذه الفقرة على كيفية تعامل الأندلسيين مع الطبيعة .
    * التجديد في شعر الغربة والحنين , دواعيه , أسبابه .

  

 سادسا / التجديد في قالب القصيدة ويشمل

 ( الموشحات ـ الأزجال )



سابعا / دراسة أثر الأندلس في الآداب الأوروبية

    *  أثر اللغة العربية في اللغة الاسبانية .
    * أثر الشعر العربي والموشحات في الشعر الغنائي ( التروبادور )
    * أثر القصة العربية في القصة الأوروبية .





نواتج التعلم

   1. أن يفرق الطالب بين الصلة العلمية والأدبية بين الأندلس والمشرق من جانب، وبين الأندلس والمغرب العربي.
   2. أن يحفظ الطالب النص الأدبي حفظا متقنا .
   3. أن يذكر الطالب غرض القصيدة المقروءة .
   4. أن يحلل النص تحليلا أدبيا .
   5. أن يكتب الطالب النص كتابة مضبوطة بالشكل .
   6. أن ينسب الطالب أسماء المصادر لمؤلفيها .
   7. أن يحدد الطالب الإجابة الصحيحة من الإجابة الخاطئة .



المصادر والمراجع

سبق ذكرها في المستوى الأول ، ويضاف كل ما أستجد من دراسات في الأدب العربي في الأندلس .





ملحوظة

    * التركيز على القضايا الأدبية والفنية ما أمكن.
    * اختيار نصوص شعرية متفرقة بحيث لا يقل اختيار الشعر عن مائة بيت، والنثر لا يقل عن خمسين سطرا.

Wednesday, September 29, 2010

The Arabic language

The Arabic language
  

Introduction

ARABIC ranks sixth in the world's league table of languages, with an estimated 186 million native speakers. As the language of the Qur'an, the holy book of Islam, it is also widely used throughout the Muslim world. It belongs to the Semitic group of languages which also includes Hebrew and Amharic, the main language of Ethiopia.

There are many Arabic dialects. Classical Arabic – the language of the Qur'an – was originally the dialect of Mecca in what is now Saudi Arabia. An adapted form of this, known as Modern Standard Arabic, is used in books, newspapers, on television and radio, in the mosques, and in conversation between educated Arabs from different countries (for example at international conferences).

Local dialects vary, and a Moroccan might have difficulty understanding an Iraqi, even though they speak the same language.

Arabic personal names
The components of names - abu, ibn, etc. How they are used and what they mean.

Alternative Arabic Dictionary
This lists the words that respectable dictionaries leave out. Not for anyone who is easily offended.

How to write your name in Arabic 
A French site showing 167 first names written in the Arabic script. Includes some English names.

Names of Arabic origin
Mainly refers to place names in Spain, Portugal and the Americas.

Arabic Language Academy
The idea of maintaining linguistic standards, through an Arab equivalent of the French Academy, has been around since the 19th century. Report by ArabicNews.

Major languages of the world
(Number of native speakers)


1.     Mandarin Chinese     836,000,000
2.     Hindi     333,000,000
3.     Spanish     332,000,000
4.     English     322,000,000
5.     Bengali     189,000,000
6.     Arabic     186,000,000
7.     Russian     170,000,000
8.     Portuguese     170,000,000
9.     Japanese     125,000,000
10.     German     98,000,000
11.     French     72,000,000
12.     Malay     50,000,000
         

Is Arabic difficult?

YES - and no. Learning Arabic certainly takes time and practice, but there are not many irregularities in the grammar. It's much less complicated than Latin, and probably simpler than German, too.

If you speak a European language, the root system of Arabic is an unfamiliar concept. Arabic words are constructed from three-letter "roots" which convey a basic idea. For example, k-t-b conveys the idea of writing. Addition of other letters before, between and after the root letters produces many associated words: not only "write" but also "book", "office", "library", and "author".

Learning vocabulary may cause problems at first. In most European languages there are many words which resemble those in English. Arabic has very few, but it becomes easier once you have memorised a few roots.

Arabic has many regional dialects, and if you want to master one of these the only really effective way is to spend a few years in the place of your choice. For general purposes – such as reading or listening to radio - it's best to concentrate on Modern Standard Arabic (numerous courses and textbooks are available). This would also be useful if you're interested in Islam, though you would need some additional religious vocabulary.

There are 28 consonants and three vowels – a,  i, u – which can be short or long. Some of the sounds are unique to Arabic and difficult for foreigners to pronounce exactly, though you should be able to make yourself understood.

The normal word order of a sentence is verb/subject/object. The function of nouns in a sentence can also be distinguished by case-endings (marks above the last letter of a word) but these are usually found only in the Qur'an or school textbooks.

Feminine nouns add the suffix …aat to form the plural but masculine nouns generally have a "broken" plural which involves changing vowels in the middle of the word: kitaab ("book"); kutub ("books").

Arabic has very few irregular verbs and does not use "is" or "are" at all in the present tense: "the king good" means "the king is good". Subtle alterations in the basic meaning of a verb are made by adding to the root. These changes follow regular rules, giving ten possible "verb forms" (though in practice only three or four exist for most verbs. The root k-s-r produces:

أثر القرآن الكريم في اللغة العربية


أثر القرآن الكريم في اللغة العربية
 

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:‏

فإن حديثنا عن القرآن الكريم وأثره في اللغة العربية، حديث الشيء عن ذاته، فالقرآن الكريم عربي المبنى فصيح المعنى، وقد اختار الله تعالى لكتابه أفصح اللغات فقال تعالى: (إنا جعلناه قرآناً عربياً( [الزخرف: 3] وقال تعالى: (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين( [الشعراء: 195]، وقال تعالى: (قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون( [الزمر: 28].‏

ومن الراجح أن اللغة العربية هي أقدم اللغات على الإطلاق، كما بينت الدراسات الحديثة وأنها اللغة التي علّم الله بها آدم الأسماء كلها، وهي لغة أهل الجنة كما ورد في الحديث: "أَحِبوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي".‏

ومن هذا المنطلق نجد الثعالبي يعبر عن هذه اللغة أبلغ تعبير فيقول في مقدمة كتابه الشهير فقه اللغة وسرّ العربية: "من أحب الله تعالى، أحب رسوله محمداً (، ومن أحب الرسول العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب العربية، ومن أحب العربية عني بها، وثابر عليها، وصرف همته إليها، ومن هداه الله للإسلام وشرح صدره للإيمان، وآتاه حسن سريرة فيه، واعتقد أن محمداً ( خير الرسل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة، والإقبال على تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم، ومفتاح التفقه في الدين، وسبب إصلاح المعاش والمعاد، ولو لم يكن في الإحاطة بخصائصها، والوقوف على مجاريها ومصارفها، والتبحر في جلائلها ودقائقها إلا قوة اليقين في معرفة إعجاز القرآن، وزيادة البصيرة في إثبات النبوة التي هي عمدة الإيمان، لكفى بها فضلاً يحسن أثره، ويطيب في الدارين ثمره" .‏

ومن هنا اكتسبت اللغة العربية القداسة النورانية والخلود السرمدي، قال الله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون( [الحجر: 9] فبحفظ الله تعالى كتابه يحفظ اللغة العربية، فهي باقية ببقائه إلى يوم الدين، ويمكننا ذكر أهم ما أحدثه القرآن الكريم في اللغة العربية من آثار فيما يلي:‏

1-المحافظة على اللغة العربية من الضياع:

ذكرت فيما سبق أن السر الكامن وراء خلود اللغة والحفاظ عليها من الاندثار هو القرآن الكريم بما كان له من أثر بالغ في حياة الأمة العربية، وتحويلها من أمة تائهة إلى أمة عزيزة قوية بتمسكها بهذا الكتاب الذي صقل نفوسهم، وهذب طباعهم، وطهر عقولهم من رجس الوثنية وعطن الجاهلية، وألف بين قلوبهم وجمعهم على كلمة واحدة توحدت فيها غاياتهم، وبذلوا من أجلها مهجهم وأرواحهم، ورفع من بينهم الظلم والاستعباد، ونزع من صدورهم الإحن والضغائن والأحقاد، فقد كان القرآن الكريم ولا يزال كالطود الشامخ يتحدى كل المؤثرات والمؤامرات التي حيكت وتحاك ضد لغة القرآن، يدافع عنها، ويذود عن حياضها، يقرع أسماعهم صباح مساء، وليل نهار بقوله تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين( [البقرة: 23 –24]، وقوله تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً( [الإسراء: 88] فلما كان القرآن الكريم بهذه المنزلة لا جرم أن المسلمين أقبلوا عليه ودافعوا عنه، واعتبروا أن كل عدوان على القرآن هو عدوان على اللغة العربية، وأن النيل من اللغة العربية هو نيل من القرآن، ولذلك فإن بقاء اللغة العربية إلى اليوم وإلى ما شاء الله راجع إلى الدفاع عن القرآن، لأن الدفاع عنه –لكونه أصل الدين ومستقى العقيدة- يستتبع الدفاع عنها لأنها السبيل إلى فهمه، بل لأنها السبيل إلى الإيمان بأن الإسلام دين الله، وأن القرآن من عند الله لا من وضع أحد.‏

يقول الباقوري: "ولو فرضت أنه نزل كما نزل غيره من الكتب المقدسة، حكماً وأحكاماً، وأمراً ونهياً، ووعداً ووعيداً، ولم يتحر هذا الأسلوب الذي جاء به، فلم يعن الناس بلفظه ولم ينظروا إليه قولاً فصلاً، وبياناً شافياً، وبلاغة معجزة، لكان من الممكن أن تزول هذه اللغة بعد أن يضعف العنصر الذي يتعصب لها على أنها لغة قومية، ومن ذلك تضعف هي وتتراجع حتى تعود لغة أثرية.‏

وفي اللغة العبرية ما يؤكد هذا، فإنها –وهي لغة كتاب مقدس –صارت إلى ذمة التاريخ، ولو أن التوراة جاءت كما جاء القرآن فتحدت اليهود على النحو القرآني لاحتفظوا بلغتهم لأن في ذلك احتفاظاً بمعجزة نبيهم، فكان ممكناً أن نرى لغة موسى عليه السلام" .‏

ويبدو هذا الأمر واضحاً لمن تتبع اللغات وما تعرضت له من انقسام وانشطار واندثار بعد أن كانت لغة عالمية محكية وصناعية، وليست اللغة اللاتينية عنا ببعيدة فقد كانت لغة وحضارة وسطوة وقوة فبقيت أثراً بعد عين.‏

وعلى العكس من ذلك فإن اللغة العربية لم تكن لها هذه القوة وهذه المنعة، وليست لغة حضارة وصناعة، إنما كانت لغة صحراء وأمية، بكل ما تفرضه بيئة الصحراء من بساطة وضيق عيش، وبعد عن العلوم والمعارف، ثم إن العرب قد تعرضوا للحروب والدمار كغيرهم، ولكن ما زالت لغتهم قوية ساطعة تنبض بالحيوية والنشاط، وما ذلك إلا بفضل القرآن الكريم، الذي تكفل الله بحفظه، فحفظ به اللغة التي نزلت به، ولم يتكفل بحفظ غيره من الكتب المقدسة فبادت اللغة التي نزلت فيها واندثرت.‏

2-تقوية اللغة والرقي بها نحو الكمال:

منح القرآن الكريم اللغة العربية قوة ورقياً ما كانت لتصل إليه لولا القرآن الكريم، بما وهبها الله من المعاني الفياضة، والألفاظ المتطورة والتراكيب الجديدة، والأساليب العالية الرفيعة، فأصبحت بذلك محط جميع الأنظار، والاقتباس منها مناط العز والفخار، وغدت اللغة العربية تتألق وتتباهى على غيرها من اللغات بما حازت عليه من محاسن الجمال وأنواع الكمال، وفي هذا يقول العلاّمة الرافعي رحمه الله: "نزل القرآن الكريم بهذه اللغة على نمط يعجز قليله وكثيره معاً، فكان أشبه شيء بالنور في جملة نسقه إذ النور جملة واحدة، وإنما يتجزأ باعتبار لا يخرجه من طبيعته، وهو في كل جزء من أجزائه جملة لا يعارض بشيء إلا إذا خلقت سماء غير السماء، وبدلت الأرض غير الأرض، وإنما كان ذلك، لأنه صفى اللغة من أكدارها، وأجراها في ظاهره على بواطن أسرارها، فجاء بها في ماء الجمال أملأ من السحاب، وفي طراءة الخلق أجمل من الشباب، ثم هو بما تناول بها من المعاني الدقيقة التي أبرزها في جلال الإعجاز، وصورها بالحقيقة وأنطقها بالمجاز، وما ركبها به من المطاوعة في تقلب الأساليب، وتحويل التركيب إلى التراكيب، قد أظهرها مظهراً لا يقضى العجب منه لأنه جلاها على التاريخ كله لا على جيل العرب بخاصته، ولهذا بهتوا لها حتى لم يتبينوا أكانوا يسمعون بها صوت الحاضر أم صوت المستقبل أم صوت الخلود لأنها هي لغتهم التي يعرفونها ولكن في جزالة لم يمضغ لها شيح ولا قيصوم".‏

هذا ما عبر به إمام العربية الرافعي رحمه الله، وليس هو فحسب، بل اعترف أعداء العربية من المستشرقين وغيرهم بقوة اللغة العربية وحيويتها وسرعة انتشارها، فيقول "أرنست رينان": "من أغرب ما وقع في تاريخ البشر، وصعب حل سره، انتشار اللغة العربية، فقد كانت هذه اللغة غير معروفة بادئ بدء، فبدأت فجأة في غاية الكمال، سلسة أي سلاسة، غنية أي غنى، كاملة بحيث لم يدخل عليها إلى يومنا هذا أي تعديل مهم، فليس لها طفولة ولا شيخوخة، ظهرت لأول أمرها تامة مستحكمة، من أغرب المدهشات أن تنبت تلك اللغة القومية وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحارى عند أمّة من الرحل، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها، وحسن نظام مبانيها، وكانت هذه اللغة مجهولة عند الأمم، ومن يوم علمت ظهرت لنا في حلل الكمال إلى درجة أنها لم تتغير أي تغيير يذكر، حتى إنه لم يعرف لها في كل أطوار حياتها لا طفولة ولا شيخوخة، ولا نكاد نعلم من شأنها إلا فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تبارى..." ‏

ويقول جورج سارنوت: "ولغة القرآن على اعتبار أنها لغة العرب كانت بهذا التجديد كاملة، وقد وهبها الرسول (() مرونة جعلتها قادرة على أن تدون الوحي الإلهي أحسن تدوين بجميع دقائق معانيه ولغاته، وأن يعبر عنه بعبارات عليها طلاوة وفيها متانة، وهكذا يساعد القرآن على رفع اللغة العربية إلى مقام المثل الأعلى في التعبير عن المقاصد".‏

ويقول بروكلمان: "بفضل القرآن بلغت العربية من الاتساع مدى لا تكاد تعرفه أي لغة أخرى من لغات الدنيا، والمسلمون جميعاً مؤمنون بأن اللغة العربية هي وحدها اللسان الذي أحل لهم أن يستعملوه في صلواتهم، وبهذا اكتسبت اللغة العربية منذ زمان طويل رفيعة فاقت جميع لغات الدنيا الأخرى التي تنطلق بها شعوب إسلامية" (8).‏

ومما لا شك فيه أن اعتراف أمثال هؤلاء، لا يقوي من وضع اللغة العربية أو يأخذ بيدها إلى الرفعة، وإنما ذكرنا أقوالهم لنبين أن الفضل ما شهدت به الأعداء.‏

ويأتي العلاّمة الفراهي الهندي (9) -إمام العربية في عصره –ليقول عن اللغة العربية: "أعلم أن كلام العرب كله نمط أعلى من كلام الأمم الذي تعودت به، لأنهم مولعون برزانة القول وتهذيبه من أمور سخيفة، فهم يجردون كلامهم من كل رابطة، ولو فعلوا ذلك كان عاراً على السامع، فإنه يفهم الروابط بذكائه، فلذلك كثر فيهم الحذف..." (10).‏

3-توحيد لهجات اللغة العربية وتخليصها من اللهجات القبلية الكثيرة:

من المعلوم أن لجهات اللغة العربية كانت مختلفة، تحتوي على الفصيح والأفصح، والرديء والمستكره، وكانت القبائل العربية معتدة بلهجتها حتى إن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف من أجل التخفيف على العرب في قراءته وتلاوته، ولا شكّ أن لغات العرب متفاوتة في الفصاحة والبلاغة، ولذلك نجد عثمان رضي الله عنه قد راعى هذا الجانب في جمعه للقرآن، وقال للجنة الرباعية: "إذا اختلفتم أنتم فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلغتهم" وما ذلك إلا لأن لغة قريش أسهل اللغات وأعذبها وأوضحها وأبينها، وكانت تحتوي على أكثر لغات العرب، ونظراً لكونهم مركز البلاد وإليهم يأوي العباد من أجل الحج أو التجارة، فقد كانوا على علم بمعظم لغات العرب بسبب الاحتكاك والتعامل مع الآخرين، ولكن لغتهم أسهل اللغات كما ذكرت، ينقل السيوطي عن الواسطي قوله: ".... لأن كلام قريش سهل واضح، وكلام العرب وحشي غريب" ولذلك حاول العرب الاقتراب منها، وودوا لو أن ألسنتهم انطبعت عليها حين رأوا هذا القرآن يزيدها حسناً، ويفيض عليها عذوبة، فأقبلوا على القرآن الكريم يستمعون إليه، فقالوا على الرغم من أنفهم: "إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وأسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه" ، ولم يزل المسلمون يقبلون عليه ويتلونه حق تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، حتى صاروا بفضل القرآن خير أمة أخرجت للناس، ينطقون لغة واحدة عربهم وعجمهم، وكان بذلك جامعاً للعرب والمسلمين على لغة قريش وما يقاربها، وليس بينهم هذا التفاوت والاختلاف في اللهجات كما كان قبل نزول القرآن، وبذلك دخلوا في مرحلة تاريخية فريدة هي توحد لغتهم وألسنتهم فيما بين بعضهم البعض بل وعلى مر العصور وكر الدهور.‏

4-تحويل اللغة العربية إلى لغة عالمية:

من المعروف أن اللغة هي صورة صادقة لحياة الناطقين بها، والعرب قبل نزول القرآن الكريم، لم يكن لهم شأن ويذكر أو موقع بين الأمم آنذاك حتى تقبل الأمم على تعلم لغتهم، والتعاون معهم فليست لغتهم لغة علم ومعرفة، وكذلك ليس لديهم حضارة أو صناعة، كل ذلك جعل اللغة تقبع في جزيرتها فلا تبرح إلا لتعود إليها.‏

وقد ظلوا كذلك، حتى جاء القرآن الكريم، يحمل أسمى ما تعرف البشرية من مبادئ وتعاليم، فدعا العرب إلى دعوة الآخرين إلى دينهم، ومما لا شك فيه أن أول ما يجب على من يدخل في الإسلام هو تعلم اللغة العربية لإقامة دينه، وصحة عبادته، فأقبل الناس أفواجاً على تعلم اللغة العربية لغة القرآن الكريم، ولولا القرآن الكريم لم يكن للغة العربية هذا الانتشار وهذه الشهرة.‏

يقول أ. د. نور الدين عتر: "وقد اتسع انتشار اللغة العربية جداً حتى تغلغلت في الهند والصين وأفغانستان، وحسبنا شاهداً على ذلك ما نعلمه من مشاهير العلماء من تلك البلاد مثل البخاري ومسلم، والنسائي، وابن ماجه القزويني، وغيرهم وغيرهم" .‏

أقول: بل حسبنا ما نراه ونسمعه في مسابقات حفظ القرآن الكريم وتلاوته من أن الفائزين بالدرجات العليا هم من أبناء الجنسيات غير العربية .‏

وخلاصة القول كما يقول الباقوري: "أن اللغة العربية ما كانت تطمع في أن يتعدى سلطانها جزيرتها، فتضرب الذلة على لغات نمت في أحضان الحضارة وترعرعت بين سمع المدينة وبصرها، وتستأثر دونها بالمكان الأسمى في ممالك ما كان العربي يحلم بها، فضلاً عن أن يكون السيد المتصرف فيها، ولكن القرآن الكريم انتزعها من أحضان الصحراء، وأتاح لها ملكاً فسيح الأرجاء، تأخذ منه لألفاظها ومعانيها، وأغراضها وأسلوبها، ما لم تمكنها منه حياته البدوية، فبعد أن كانت ثروتها في حدود بيئتها، أصبحت غنية في كل فنون الحياة فأقبل الناس عليها مدفوعين إلى معرفة أحكام الدين، وأداء واجبات الإسلام" .‏

5-تحويل اللغة العربية إلى لغة تعليمية ذات قواعد منضبطة:

من الثابت المعروف أن العرب قبل نزول القرآن كانوا يجرون في كلامهم وأشعارهم وخطبهم على السليقة، فليس للغتهم تلك القواعد المعروفة الآن، وذلك لعدم الحاجة إليها، ولا أدل على ذلك من أن التاريخ يحدثنا عن كثير من العلماء الذين صرحوا أن لغتهم استقامت لمّا ذُهب بهم إلى الصحراء لتعلم اللغة العربية النقية التي لم تشبها شائبة، ومن هؤلاء الإمام الشافعي، وأن الوليد بن عبد الملك كان كثير اللحن، لأنه لم يغترف لغته من الينبوع العربي الصحراوي الصافي.‏

ولما اتسعت الفتوح، وانتشر الإسلام، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، احتك العجم بالعرب فأفسدوا عليهم لغتهم، مما اضطر حذيفة بن اليمان الذي كان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، أن يرجع إلى المدينة المنورة ويقول لعثمان رضي الله عنه: "يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف في كتابها اختلاف اليهود والنصارى...." فأمر عثمان( يجمع القرآن، وكان قصده أن يجمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي ( وإلغاء ما ليس بقرآن خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد، وهذا ما حصل، فقد ضعفت اللغة مع مرور الأيام وفشا اللحن في قراءة القرآن، الأمر الذي أفزع أبا الأسود الدؤلي وجعله يستجيب‏

لوضع قواعد النحو، التي هي أساس ضبط حركات الحروف والكلمات، ومن ثم العمل على ضبط المصاحف بالشكل حفاظاً على قراءة القرآن من اللحن والخطأ.‏

وليس هذا فحسب، بل يرجع الفضل للقرآن الكريم في أنه حفظ للعرب رسم كلماتهم، وكيفية إملائهم، على حين أن اللغات الأخرى قد اختلف إملاء كلامها، وعدد حروفها.‏

يقول د. عتر: "والسر في ذلك أن رسم القرآن جعل أصلاً للكتابة العربية، ثم تطورت قواعد إملاء العربية بما يتناسب مع مزيد الضبط وتقريب رسم الكلمة من نطقها، فكان للقرآن الكريم الفضل في حفظ رسم الكلمة عن الانفصام عن رسم القدماء" .‏

6-تهذيب ألفاظ اللغة العربية، ونشوء علم البلاغة:

ذكرت فيما سبق أن لغة أية أمّة هي صورة صادقة لذوقها العام وطبيعتها، وإذا كان للبقاع تأثير في الطباع، فمما لا ريب فيه أن اللغة تتأثر كذلك حسب الناطقين بها، والعرب أمّة أكثرها ضارب في الصحراء، لم يتحضر منها إلا القليل، فلا جرم كان في لغتهم الخشن الجاف، والحوشي الغريب، وقد أسلفنا عن الواسطي أن لغة قريش كانت سهلة لمكان حياة التحضر التي كانت تحياها في ذلك.‏

ولعل من يقرأ الأدب الجاهلي ويتدبره، يزداد إيماناً بما للحضارة من أثر ألفاظ اللغة، فإنه سيرى في أدب أهل الوبر كثيراً من مثل "جحيش" و"مستشزرات" "وجحلنجع"، وما إلى ذلك مما ينفر منه الطبع، وينبو عنه السمع، على حين أنه يكاد لا يصادفه من ذلك شيء في أدب القرشيين.‏

والقرآن الكريم –فضلاً عن أنه نقل العرب من جفاء البداوة وخشونتها، إلى لين الحضارة ونعومتها، فنزلوا عن حوشيتهم، وتوخوا العذوبة في ألفاظهم، -قد تخير لألفاظه أجمل ما تخف به نطقاً في الألسن، وقرعاً للأسماع، حتى كأنها الماء سلاسة، والنسيم رقة، والعسل حلاوة، وهو بعد بالمكان الأسمى الذي أدهشهم وحير ألبابهم، وأفهمهم أن البلاغة شيء وراء التنقيب والتقعير، وتخير ما يكد الألسن ويرهقها من الألفاظ، فعكفوا عليه يتدبرونه، وجروا إليه يستمعونه ذلك أن القرآن الكريم قد انتهج في تعابيره أسلوباً له حلاوة، وعليه طلاوة، تنتفي فيه الكلمة انتقاء، حتى كانت مفردات القرآن الكريم من اللغة العربية بمثابة اللباب وغيرها كالقشور، مما جعل ابن خالويه يقول: "أجمع الناس أن اللغة إذا وردت في القرآن فهي أصح مما في غيره" ، ولا أدل على ذلك من المقارنة بين الشعر الجاهلي والإسلامي، أو الأدب الجاهلي والإسلامي، لتجد البون شاسعاً، والفارق كبيراً، ذلك أن القرآن الكريم بفصاحته وروعة ألفاظه قد أغرى العرب على محاكاته، فأقبلوا إليه يزفون، ومن بحره ورياضه يستقون وينهلون، ومن ألفاظ ومعانيه يقتبسون ويتكلمون، فوضعوا بذلك قواعد علوم البلاغة، بغاية الروعة وقمة البراعة، متكئين فيها على ما في القرآن الكريم من أوجه الإعجاز، ناسجين منه أجمل حلة وأحلى طراز، ولهذا نجد أبا الهلال العسكري يقول: "وقد علمنا أن الإنسان إذا أغفل علم البلاغة وأخل بمعرفة الفصاحة، لم يقع علمه بإعجاز القرآن من جهة ما اختصه الله به من حسن التأليف، وبراعة التركيب، وما شحنه به من الإيجاز البديع والاختصار اللطيف، وضمنه من الحلاوة، وجلله من رونق الطلاوة، مع سهولة كلمه وجزالتها، وعذوبتها وسلاستها، إلى غير ذلك من محاسنه التي عجز عنها، وتحيرت عقولهم فيها" .‏

توصيات‏

1-غرس محبة اللغة العربية في نفوس الناشئة، باعتبار أنها لغة القرآن الكريم، الذي بفضله حفظ لنا لغتنا من الضياع، والبحث عن الوسائل التي ترغب الطلاب في تعلم اللغة العربية، وذلك من خلال تطوير المناهج، وتيسير القواعد.‏

2-بث الوعي اللغوي بين أبناء الأمة وإيقاظ غيرتهم من اللغة، وترميم ما تصدع من ثقتهم بها واعتزازهم بتراثها الحضاري والتاريخي بوصفها مقوماً مهماً من مقومات الشخصية العربية.‏

3-إعادة النظر في طريقة تعليم اللغة العربية في المدارس، والاستفادة من الوسائل الحديثة مثل الحاسوب والبرمجيات التعليمية.‏

4-الاستفادة من تجربة الجامعات السورية في تعريب التعليم في جميع مراحله، وقد أثبتت هذه التجربة نجاحها، وسارت بعض الجامعات في الوطن العربي على غرارها.‏

5-الاهتمام بتعلم اللغات الأجنبية وتطويرها، وعدم الدعوة إلى تهميشها، ولكن ضمن الحد المرسوم لها.‏

6-إنشاء مؤسسات متخصصة ترعى تكوين الأجيال، وتعمل على ترجمة الكتب والبحوث العلمية المختلفة مع التنسيق بين هذه المؤسسات وبين مراكز البحث العلمي والجامعات.‏

7-الاستفادة من أجواء العولمة المنفتحة والمتطورة التي يمكن أن تعين على إيجاد وسائل وآليات تستخدم في صالح اللغة العربية، سواء من حيث نشرها، أو سهولة التواصل بين الباحثين في قضاياها وبالتالي فإن لغتنا العربية كفيلة بما وهبها الله تعالى أن تُواكب المستجدات والتحديات في هذا العصر "عصر العولمة".‏

الخاتمة‏

إننا في هذا العصر الذي يبدو فيه زحف العولمة قادماً بما يحمله إلينا من معطيات تشمل الأدوات والمصطلحات والأفكار والتعبيرات والممارسات اللغوية، مطالبون بأن نقابل ذلك الزحف بتنقيح علمي يفيد من إيجابيات العولمة، ويؤمن بالتلاقح الحضاري والتفاعل الخير، ويدرأ الخطر عن ثقافة أمتّنا ولغتنا بخطط علمية، واستراتيجيات طويلة المدى، ووسائل تفيد من ثمرات العلم الحديث في هذا العصر وتختلف عن وسائلنا التقليدية القديمة، مستندين في ذلك إلى الثقة بأنفسنا، وبمقوماتنا الذاتية النابعة من مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف وإسهامات حضارتنا العريقة، وقدرات لغتنا العربية التي سبق لها أن دخلت المعترك الحضاري قديماً فانتصرت فيه، وكانت الوجه المشرق للهوية العربية على مر العصور.‏

وأختم بحثي بأبلغ عبارة قالها البيروني (ت 440ه‍) عن اللغة العربية المقدسة:‏

"والهجو بالعربية أحب إلي من المدح بالفارسية".‏

لقد صدق فيما قال، ومن ذاق عرف، ومن عرف اغترف..‏

والحمد لله رب العالمين،،‏

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..‏
 
الدكتور محمد يوسف الشربجي

The impact of the Qur'an of the Arabic language

The impact of the Qur'an of the Arabic language

Structure and content

As has already been pointed out, scholars have gone to great lengths over the past thirteen centuries to describe and emphasize the inimitability of the verses of the Qur'an. However, the impact of the revelation of the Qur'an on the Arabic language, its structure and content, has certainly been the focus of fewer studies. Works on the inimitability of the Qur'an have mostly focused on the literary beauty of the Holy Book, its conceptual strength and precision. Another important aspect of the Qur'an, one not adequately addressed, lies in its linguistic impact on the form and content of the Arabic language.

The Holy Qur'an has undoubtedly helped reinforce and deepen the Arab people's awareness of the richness and beauty of their tongue. From a linguistic point of view, the revelation of the Qur'an was the most important event in the history of the Arabic language. It was an event with far-reaching and lasting consequence, for the Qur'an gave Arabic a form which it had hitherto lacked. In fact, it was due to the desire to preserve the Qur'an that efforts were made to develop and refine the Arabic alphabet. It was within the same context that Abu l-Aswad al-Du'ali developed the dot system in the first century of the Islamic era in his attempt to lay the basis for Arabic grammatical theory.  His efforts were among the first to establish a permanent form for the Arabic alphabet and hence the Arabic writing system. As deciphered from the earliest inscriptions, the Arabic alphabet was vague, unsystematic, and inefficient. The dot system as developed by al-Du'ah helped to clarify and establish distinctions which were otherwise unclear. In fact, it can be maintained that had it not been for the strong desire to preserve the Qur'an, its form, grammar, pronunciation, and accuracy, the Arabic alphabet and writing system might not have developed as quickly as they did.

The Arabic alphabet and writing system were only one aspect of the Qur'an's impact on the language; it also gave Arabic a rigidity of form and a precision of presentation which were novel to the language, as well as a host of new locutions, complex concepts, meanings, and arguments. Furthermore, the Qur'an enriched the lexicon of the language by bringing new words and expressions into use, and by introducing loan-words from foreign languages. It also presented a firm set of linguistic standards and directions which were instrumental in the subsequent documentation of Arabic grammar.

The Qur'an likewise helped to expand the scope of Arabic as it was known in the early years of the seventh century. Islam and the Qur'an helped to open new horizons and fields of study which included such disciplines as philology, Islamic law (the sharia), and Islamic philosophy. The Qur'an also introduced a host of new themes and linguistic forms not only to the Arabic language but to the Arab mind as well. Taha Husayn dealt with this particular aspect of the verses of the Qur'an when he wrote:

In its external form the Qur'an is neither poetry nor prose. It is not poetry because it does not observe the metre and rhyme of poetry, and it is not prose because it is not composed in the same manner in which prose was customarily composed. 

The Qur'an consists of verses which vary in length depending on their theme and the occasion for which they were revealed. What is most interesting about Qur'anic verses is the superb selection of words, a selection which helps to induce varying reading speeds, which render these verses most effective. On this particular point,

Taha Husayn wrote:

For example, those verses dealing with the dialogues that took place between the Prophet and the pagans as well as those dealing with legislation require the type of low reading speed appropriate to explanation and recapitulation. On the other hand, those verses in which the pagans are warned of the fate that awaits them require a higher speed appropriate to censuring and warning. 

The varying speeds which Taha Husayn mentions appear to be achieved with remarkable spontaneity, which is the result, in Taha Husayn's words, of 'a careful selection of words and expressions.' [34] He gives sura 26, al-Shu'ara', as an example of the type of verse requiring speedy reading, and sura 28, al-Qasas, as an example of that requiring slow reading.

Another aspect of the novelty of the Qur'an language has to do with its themes. These themes and topics represent a clear departure from those which had been hitherto familiar to the Arabs. As Taha Husayn explained:

It does not deal with any such things as ruins, camels, or long journeys in the desert; nor does it describe longing for the beloved, love, or eulogy, topics most familiar to pre-Islamic Arabs. But rather it talks to the Arabs about such things as the oneness of God, His limitless power, His knowledge, which is unattainable, His will, which is unstoppable, and His creation of heaven and earth. 

This passage underscores yet another innovative aspect of the Qur'an, namely the presentation of novel themes through an abundance of examples all aimed at illustration and persuasion. The use of illustration is one of the most effective stylistic techniques of the Qur'an. One can hardly read a verse without experiencing the impact of this technique.

The art of narrative style represents another innovative aspect of the Qur'an. It relates in astounding detail the stories of Noah Abraham, Joseph, Moses, and Jesus, among others. It presents the dialogues that took place in such stories and the claims and counter-claims made by each of the opposing parties. Story-telling may not have been totally novel in pre-Islamic Arabia given the significant quantity of parables, epics, and myths that were inherited from that period. What was novel, however, was the type of integrated, elaborate story involving such essential items as theme, plot, well-developed characters, and denouement which are to be found in the Qur'an, which refers itself to the benefit in telling such stories:

We do relate unto thee the most beautiful stories, in that We reveal unto thee this [portion of the] Qur'an. Before this thou too were among those who knew it not. (1: 3)

Lexical borrowing

Lexical borrowing is another area in which the Qur'an established precedent. The Holy Book draws freely on words of non-Arabic origin, including Persian, Sanskrit, and Syriac. The importance of the Qur'an in this respect can be better understood against a deep-seated theme which can be discerned in the writings of scholars of preand early Islam, namely, that the Arabian Peninsula was, during the pre-Islamic era, more or less isolated from the rest of the world, and that the Arabic language, and consequently the Qur'an, was the unique product of the Arabian desert. Inherent in this theme is a belief in the 'purity' of the Arabic tongue and hence the scholars' reluctance to agree with the fact that in its attempt to illustrate the breadth of human religious experience the Qur'an drew on the lexicons of other languages and religions.   The verse: Thus have We sent down this Arabic Qur'an is often cited in support of this view.   It is obvious from the literature that the majority of the earlier scholars, for example, al-Shafi'i, Ibn Jarir, Abu ' Ubayda, al-Qadi Abu Bakr, and Ibn Faris, rejected the theory that some of the words of the Qur'an were not of Arabic origin.   The question of lexical borrowing and the existence of foreign words in the Qur'an was viewed differently by different scholars. Thus the earlier scholars maintained that the existence of foreign words implied and inadequacy of the language. Al-Suyuti quoted Ibn Aws as saying:

If the Qur'an had contained anything other than Arabic, then it would be thought that Arabic was incapable of expressing those things in its own words.

Later scholars, however, viewed lexical borrowing differently. Thus, al-Suyuti explained that the adoption of some non-Arabic words in the Qur'an took place because such words denoted objects or ideas for which no Arabic words were readily available.  Examples include the Persian words 'istibraq' (a thick, silky brocade), 'ibriq' (a water jug); the Nabatean word 'akwab' (goblets); the Aramaic word 'asfar' (a large book); the Hebrew borrowing 'rahman' (merciful); and the Syriac words 'zayt' (olive oil) and 'zaytun' (the olive tree). The Qur'an has several hundred such foreign borrowings. Earlier generations of Muslim scholars maintained that such words were either ancient Arabic words that had gone out of use until the revelation of the Qur'an, or that such words were ancient borrowings introduced into Arabic long before the Revelation which had since then acquired an Arabic pattern. 

Whether we agree with the view that foreign words in the Qur'an are direct borrowings from other languages or with the view that the majority of these words were ancient borrowings which occurred in pre-Islamic poetry and which had been in use long before the revelation of the Qur'an, it is a fact that the Qur'an contains words that are not of Arabic origin. Such words come from a host of languages including Ethiopic, Persian, Greek, Sanskrit, Syriac, Hebrew, Nabatean, Coptic, Turkish, and Berber.   By adopting words of non-Arabic origin, the Qur'an may have helped to legitimize a very important linguistic process, that of lexical borrowing. The importance of this practice derives particularly from the fact that the use of foreign words was viewed unfavourably by a large number of Arab scholars at that time.   The term 'ajami (Persian, foreign) was used strictly in reference to non-Arabic words to set them aside from native Arabic words. During the documentation of the grammar in the first three centuries of the Islamic calendar, the same term was used to refer to less-than-native pronunciations of Arabic. In their attempt to document the grammar, the early scholars considered the speech of the bedouins in the heart of the desert to be the most reliable and purest, apparently due to their belief that the bedouins seldom left the desert or mixed with speakers of other languages.   Likewise, the early grammarians did not look favourably upon the adoption of foreign terms into Arabic, apparently in the belief that borrowing would indicate certain gaps or deficiencies in the language.

Since it contained words of non-Arabic origin, the Qur'an established a precedent for lexical borrowing as a tool whereby languages may enrich themselves. This was clearly one of the most innovative aspects of the Qur'an. It is particularly important given the unfavourable climate that prevailed among the early Muslim scholars with respect to lexical borrowing.

Structure and style

The Qur'an has made remarkable contributions to the structure and style of the Arabic language. It combines within its covers the first documentation of the sentence patterns of Arabic, and it was instrumental in the documentation of Arabic grammar which began in the first Islamic century. From the time of Sibawayh (d. c. 793) up to the present day there is hardly a page in any manual of Arabic grammar which does not contain one or more verses from the Qur'an. Furthermore, the strong interest in Qur'anic studies brought with it an equally strong interest in Arabic linguistic studies.

The style of the Qur'an helped to develop and enrich the Arabic language. As the first book in the Arabic language, it introduced stylistic innovations which greatly influenced trends in subsequent generations. Foremost among such trends is the Qur'an's abundant use of figures of speech in place of simple words. The Qur'an makes extensive use of illustrations, imagery, and metaphor, thus adding beauty, life, and colour to plain words In fact, the ubiquity of figures of speech in the Qur'an has led Sayyid Qutb to conclude that 'the use of imagery and figures of speech is the Qur'an's preferred style.'   The preference for figures of speech over plain words appears to be a general trend that permeates the entire Book. Thus, the Qur'an affirms the impossibility of the disbelievers' entry into paradise:

Nor will they enter the Garden until a thick rope can pass through the eye of a needle. (7: 40)

Confirming that the disbelievers' actions will be in vain, the Qur'an conveys this notion in the following way:

The parable of those who reject their Lord is that their works are as ashes on which the wind blows furiously as on a tempestuous day. (14: 18)

Another idea, that of those who do charitable acts yet spoil what they have done by gloating and reminding others of such acts is conveyed thus:

they are in a parable like a hard, barren rock on which is a little soil: on it falls heavy rain which leaves it just a bare stone. (2: 265)

The opposite case, namely that of those who spend for God's sake rather than in order to boast, is also expressed through imagery:

as a garden, high and fertile; heavy rain falls on it but makes it yield a double increase of harvest. (2: 265)

Earlier in the same sura, the same idea is conveyed through a different figure of speech:

The parable of those who spend their money in the way of God is that of a grain of corn: it groweth seven ears and each ear hath a hundred grains. (2: 261)

Criticizing those who worship gods other than Allah, the Qur'an likens their actions to that of a spider building a web:

The parable of those who take protectors other than God is that of the spider building for itself a house; but, truly, the flimsiest of houses is the spider's house. (29: 41)

Doomsday is one of the frequent themes of the Qur'an. The description of the horrors of that day is also presented through figures of speech:

for the convulsion of the Hour will be a terrible thing! The day ye shall see it, each mother giving suck shall forget her suckling-babe, and each pregnant female shall deliver her load. Thou shalt see mankind as in a drunken riot, yet not drunk. (22: 2)

Another very characteristic stylistic device of the Qur'an is that of anthropomorphization. Thus it describes dawn as breathing away the darkness (78: 10), the night as concealing the sun and veiling the day, the wind as fecundating, causing the rain to fall (15: 22). The sea is likened to ink which, if used, will not suffice to write the words of God:

Say: If the ocean were ink wherewith to write out the words of my Lord, sooner would the ocean be exhausted, even if we added another ocean like it. (18: 109)

Slandering is likened to eating another persons's flesh:

Nor speak ill of each other behind their backs. Would any of you like to eat the flesh of his dead brother. (49: 12)

The rhythmic patterns of speech found in Qur'anic recitations is yet another remarkable aspect of the language of the Qur'an. These patterns are a reflection of the special array of words and arrangement of phrases found in the Book. In the view of many scholars such verses combine the characteristics of both poetry and prose.   Unlike some poetry, the verses of the Qur'an do not have one single rhyme, thus there is more room for flexibility and freedom of expression. The Qur'an does, however, reflect certain aspects of poetry, especially with respect to its use of words with identical numbers of syllables. This 'music' is more noticeable in short verses than it is in long ones.  Sayyid Qutb cites sura 53

(al-Najm) as an excellent example of prose rhythm produced by words similar in length and all ending in the same sound, in this case the long a [48] There is another type of internal rhythm which is inherent in the structure of the single sentence. This is seen when the length of words varies within the same sura. A good example of this is sura 19 (Maryam), which begins with short words and phrases, then changes to longer ones. Furthermore, the rhythms of the various segments are enhanced by the use of two main rhymes throughout the entire sura. These rhymes end either in nun or mim preceded by either ya' or wa'w.

The narrative aspect of Qur'an style remains one of the most creative and innovative of the Holy Book, one which has profoundly influenced and enriched the Arabic language. Whatever narrative style the language had in pre-Islamic times were relatively crude and primitive. Even though the narrative parts of the Qur'an were clearly put to the service of the main theme of the Book, i.e., religion, the narrative was so highly developed and integrated that it became a work of art in itself. The Qur'an is remarkably innovative with respect to its method of presentation, which involves four different techniques. One common technique is that if beginning a story with a short summery, followed by the details from beginning to end, as in sura 18 (al-Kahf). The second technique is that of beginning a story by presenting the conclusion first, then the lesson to be derived from it, and then the story from beginning to end, as in the story of Moses in sura 28 (al-Qasas). The third technique presents the story directly without introduction, as in that of Mary following the birth of Jesus in sura 19 (Maryam), and the story of King Solomon and the ants in sura 27 (al-Naml). The fourth, and perhaps most innovative, technique is that of presenting the story through dramatization. This technique gives only a brief introduction signalling the beginning of the scene, followed by a dramatization of the story with a dialogue among the various characters, as in the story of Abraham and Ismail in sura 2.

An important element in the structure of Qur'anic narrative is the varied use of the element of surprise. In some cases the anticlimax is kept from the main players and spectators, and is unfolded for both simultaneously towards the end, as in sura 18 in the story of Moses and the scholar. Another use of the element of surprise reveals the anticlimax to the audience but conceals it from the characters, who act in total ignorance. The Qur'an commonly uses this technique in situations where satire is intended (satire which is directed at the actors and their behaviour) as in the story in sura 68 (al-Qalam). A third technique reveals part of the anticlimax to the audience while keeping part of it concealed from both the audience and the characters, as in the story in sura 27 (al-Naml).

The structure of Qur'anic narrative displays the well-developed elements of an integrated literary work. One of the elements indispensable to dramatized narrative is change of scenery, which the Qur'an utilizes fully. In the story of Joseph in sura 12, the reader is presented with a succession of scenes, each of which leads to the next, picking up the main thread of the narrative. Joseph's story comprises some twenty-eight scenes, each of which leads to the next in a manner which maintains the organic unity of the entire narrative. All such scenes are presented through dialogues replete with details and ideas. The result of such a well-knit passage is that the reader finds himself drawn to the narrative, moving anxiously from one scene to another. This effect is achieved through a coherent series of events which sustain his curiosity and interest. In one scene, for example, we find one of Joseph's brothers entering the king's court in Egypt where Joseph is the keeper of the store-house. In this scene, Joseph stipulates to his brothers that they should bring their younger brother to the king's court in order to receive provisions. The next scene presents the brothers deliberating among themselves, which is followed by a scene in which they have returned to face their father, Jacob. The following scene takes the brothers back to Egypt to confront Joseph. The presentation of the narrative in dramatic form involving a succession of scenes brings home effortlessly the main theme and the lessons to be derived from the whole narrative. The use of dialogue makes the scenes more vivid and closer to life. This is an art in which the Qur'an excels, and an art in which it is remarkably innovative. It is clearly a form of literary composition which the Qur'an, the first book in Arabic, introduced to the language.

The portrayal of personalities is a very significant element of the narrative; here, again, the Qur'an sets a precedent. The depiction of personalities in the various narratives manages to convey to the reader the precise dimensions and traits of such figures. This is done through the words and actions of the personalities portrayed. In the story of Moses, for example, the reader is readily able to discern, through Moses' actions, the type of aggressive yet emotionally sensitive person he was meant to portray. Conversely, in the story of Abraham, the Qur'anic verses carefully depict a calm, peaceful, and patient personality. This careful and accurate delineation of personality is effected largely through dialogue which skillfully brings out the traits of such personalities. The dialogue, in turn, is rendered even more effective by a very careful choice of words. 

يوسف إدريس

يوسف إدريس

يوسف إدريس علي، كاتب قصصي، مسرحي، وروائي مصري ولد سنة 1927 في البيروم التابعة لمركزفاقوس، مصر وتوفي في 1 أغسطس عام 1991 عن 64 عام. وقد حاز على بكالوريوس الطب عام 1947 وفي 1951 تخصص في الطب النفسي.
     
        حياته في سطور

طبيب بالقصر العيني، القاهرة، 1951-1960؛ حاول ممارسة الطب النفساني سنة 1956، مفتش صحة، صحفي محرر بالجمهورية، 1960، كاتب بجريدة الأهرام، 1973 حتى عام 1982. حصل على كل من وسام الجزائر (1961) ووسام الجمهورية (1963 و 1967) ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى (1980). سافر عدة مرات إلى جل العالم العربي وزار (بين 1953 و 1980) كلاً من فرنسا، إنجلترا، أمريكا واليابان وتايلندا وسنغافورة وبلاد جنوب شرق آسيا. عضو كل من نادي القصة وجمعية الأدباء واتحاد الكتاب ونادي القلم الدولي. متزوج من السيدة رجاء الرفاعي وله ثلاثة أولاد المهندس سامح والمرحوم بهاء والسيدة نسمة.

    السيرة

ولد يوسف إدريس في 18 مايو 1927 وكان والده متخصصاً في استصلاح الأراضي ولذا كان متأثراً بكثرة تنقل والده وعاش بعيداً عن المدينة وقد أرسل ابنه الكبير (يوسف) ليعيش مع جدته في القرية.

لما كانت الكيمياء والعلوم تجتذب يوسف فقد أراد أن يكون طبيباً. وفي سنوات دراسته بكلية الطب اشترك في مظاهرات كثيرة ضد المستعمرين البريطانيين ونظام الملك فاروق. وفي 1951 صار السكرتير التنفيذي للجنة الدفاع عند الطلبة، ثم سكرتيراً للجنة الطلبة. وبهذه الصفة نشر مجلات ثورية وسجن وأبعد عن الدراسة عدة أشهر. وكان أثناء دراسته للطب قد حاول كتابة قصته القصيرة الأولى، التي لاقت شهرة كبيرة بين زملائه.

منذ سنوات الدراسة الجامعية وهو يحاول نشر كتاباته. وبدأت قصصه القصيرة تظهر في المصري وروز اليوسف. وفي 1954 ظهرت مجموعته أرخص الليالي. وفي 1956 حاول ممارسة الطب النفسي ولكنه لم يلبث أن تخلى عن هذا الموضوع وواصل مهنة الطب حتى 1960 إلى أن انسحب منها وعين محرراً بجريدة الجمهورية وقام بأسفار في العالم العربي فيما بين 1956-1960. في 1957 تزوج يوسف إدريس.

في 1961 انضم إلى المناضلين الجزائريين في الجبال وحارب معارك استقلالهم ستة أشهر وأصيب بجرح وأهداه الجزائريون وساماً إعراباً عن تقديرهم لجهوده في سبيلهم وعاد إلى مصر، وقد صار صحفياً معترفاً به حيث نشر روايات قصصية، وقصصاً قصيرة، ومسرحيات.

وفي 1963 حصل على وسام الجمهورية واعترف به ككاتب من أهم كتّاب عصره. إلا أن النجاح والتقدير أو الاعتراف لم يخلّصه من انشغاله بالقضايا السياسية، وظل مثابراً على التعبير عن رأيه بصراحة، ونشر في 1969 المخططين منتقداً فيها نظام عبد الناصر ومنعت المسرحية، وإن ظلت قصصه القصيرة ومسرحياته غير السياسية تنشر في القاهرة وفي بيروت. وفي 1972، اختفى من الساحة العامة، على أثر تعليقات له علنية ضد الوضع السياسي في عصر السادات ولم يعد للظهور إلا بعد حرب أكتوبر 1973 عندما أصبح من كبار كتّاب جريدة الأهرام.
   
    مؤلفاته

قصص

    * أرخص ليالي، رة، سلسلة "الكتاب الذهبي"، روز اليوسف، ودار النشر القومي، 1954.
    * جمهورية فرحات، قصص ورواية قصة حب، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي" روز اليوسف، 1956. مع مقدمة لطه حسين. صدرت جمهورية فرحات بعد ذلك مستقلة، ثم مع ملك القطن، القاهرة، دار النشر القومية، 1957. وفي هذه المجموعة رواية: قصة حب التي نُشرت بعدها مستقلة في كتاب صادر عن دار الكاتب المصري بالقاهرة.
    * البطل، القاهرة، دار الفكر، 1957.
    * حادثة شرف، بيروت، دار الآداب، والقاهرة، عالم الكتب، 1958.
    * أليس كذلك؟، القاهرة، مركز كتب الشرق الأوسط، 1958. وصدرت بعدها تحت عنوان: قاع المدينة، عن الدار نفسها.
    * آخر الدنيا، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي" روز اليوسف، 1961.
    * العسكري الأسود، القاهرة، دار المعارف، 1962؛ وبيروت، دار الوطن العربي، 1975 مع رجال وثيران والسيدة فيينا.
    * قاع المدينة، القاهرة، مركز كتب الشرق الأوسط، 1964.
    * لغة الآي آي، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي"، روز اليوسف، 1965.
    * النداهة، القاهرة، سلسلة "رواية الهلال"، دار الهلال، 1969؛ ط2 تحت عنوان مسحوق الهمس، بيروت، دار الطليعة، 1970.
    * بيت من لحم، القاهرة، عالم الكتب، 1971.
    * المؤلفات الكاملة، ج 1:القصص القصيرة، القاهرة، عالم الكتب، 1971.
    * ليلة صيف، بيروت، دار العودة، د.ت. والكتاب بمجمله مأخوذ من مجموعة: أليس كذلك؟
    * أنا سلطان قانون الوجود، القاهرة، مكتبة غريب، 1980.
    * أقتلها، القاهرة، مكتبة مصر، 1982.
    * العتب على النظر، القاهرة، مركز الأهرام، 1987.

روايات

    * الحرام، القاهرة، سلسلة "الكتاب الفضي"، دار الهلال، 1959.
    * العيب، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي"، دار الهلال، 1962.
    * رجال وثيران، القاهرة، المؤسسة المصرية العامة، 1964.
    * البيضاء، بيروت، دار الطليعة، 1970.
    * السيدة فيينا، بيروت، دار العودة 1977.
    * نيويورك 80، القاهرة، مكتبة مصر، 1980.
    * (نظرة) حارة في القاهرة

مسرحيات

1- ملك القطن (و) جمهورية فرحات، القاهرة، المؤسسة القومية. 1957 مسرحيتان.

2- اللحظة الحرجة، القاهرة، سلسلة "الكتاب الفضي"، روز اليوسف، 1958.

3- الفرافير، القاهرة، دار التحرير، 1964. مع مقدمة عن المسرح المصري.

4- المهزلة الأرضية، القاهرة سلسلة "مجلة المسرح" 1966.

5- المخططين، القاهرة، مجلة المسرح، 1969. مسرحية باللهجة القاهرية.

6- الجنس الثالث، القاهرة، عالم الكتب، 1971.

7- نحو مسرح عربي، بيروت، دار الوطن العربي، 1974. ويضم الكتاب النصوص الكاملة لمسرحياته: جمهورية فرحات، ملك القطن، اللحظة الحرجة، الفرافير، المهزلة الأرضية، المخططين والجنس الثالث.

8- البهلوان، القاهرة، مكتبة مصر، 1983. 9- أصابعنا التي تحترق


مقالات

1- بصراحة غير مطلقة، القاهرة، سلسلة "كتاب الهلال"، 1968.

2- مفكرة يوسف إدريس، القاهرة، مكتبة غريب، 1971.

3- اكتشاف قارة، القاهرة، سلسلة "كتاب الهلال"، 1972.

4- الإرادة، القاهرة، مكتبة غريب، 1977.

5- عن عمد اسمع تسمع، القاهرة، مكتبة غريب، 1980.

6- شاهد عصره، القاهرة، مكتبة مصر، 1982.

7- "جبرتي" الستينات، القاهرة، مكتبة مصر، 1983، وهو متضمن حوار بينه وبين الأستاذ محمد حسنين هيكل.

8- البحث عن السادات، طرابلس (ليبيا)، المنشأة العامة. 1984.

9- أهمية أن نتثقف.. يا ناس، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1985.

10- فقر الفكر وفكر الفقر، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1985.

11- خلو البال، القاهرة، دار المعارف، 1986.

12- انطباعيات مستفزة، القاهرة، مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1986.

13- الأب الغائب، القاهرة، مكتبة مصر، 1987.

14- عزف منفرد، القاهرة، دار الشروق، 1987.

15- الإسلام بلا ضفاف، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1989.

16- مدينة الملائكة، القاهرة، الهيئة المصرية…، 1989.

17- الإيدز العربي، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1989.

18- على فوهة بركان، محمود فوزي، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، 1991. حوار.

19- ذكريات يوسف إدريس، القاهرة، المركز المصري العربي للنشر والصحافة والتوزيع، 1991.


    لمحة عنه

ولد "يوسف إدريس" لأسرة متوسطة الحال بإحدى قرى محافظة الشرقية عام 1927، التحق بالمدارس الحكومية حتى المرحلة الثانوية، ليكمل بعدها مشواره التعليمي بكلية الطب جامعة القاهرة ثم ليتخرج فيها عام 1951.

على هذا فقد عايش في مرحلة الشباب فترة حيوية من تاريخ مصر من جوانبه الثقافية والسياسية والاجتماعية، حيث الانتقال من الملكية بكل ما فيها من متناقضات، إلى الثورة بكل ما حملته من آمال، ثم النكسة وما خلفته من هزائم نفسية وآلام، ثم النصر في 73 بكل ما كان ينطوي عليه من استرداد لعزة وكرامة الشخصية المصرية، ثم الانفتاح وما تبع ذلك من آثار على المجتمع المصري من تخبط وتغير في بنيته الثقافية والنفسية والاجتماعية.. إنه رجل عاش كل هذه التقلبات، ليس كما يعيشها الإنسان العادي، بل كما يعيشها الفنان المبدع الذي تؤثر فيه تفاصيل الأحداث، ويعمل على أن يرصدها ليتمكن من تأثيره عليها، فجاء أدبه معبرا عن كل مرحلة من هذه المراحل، وناطقا برأيه عما يتغير ويحدث حولنا في هذا البلد وما يحدث في أبنائها، ولاسيما أنه كان في مطلع شبابه متأثرا بالفكر الماركسي بكل ما يحمله من هموم اجتماعية.

كان كاتبنا غزير الثقافة واسع الاطلاع بالشكل الذي يصعب معه عند تحديد مصادر ثقافته أن تقول إنه تأثر بأحد الروافد الثقافية بشكل أكبر من الآخر.. حيث اطلع على الأدب العالمي وخاصة الروسي وقرأ لبعض الكتاب الفرنسيين والإنجليز، كما كان له قراءاته في الأدب الآسيوي وقرأ لبعض الكتاب الصينيين والكوريين واليابانيين، وإن كان مما سجله النقاد عليه أنه لم يحفل كثيرا بالتراث الأدبي العربي وإن كان قد اطلع على بعض منه.

هذا من ناحية أدبية وفنية وثقافية عامة ساهمت في تشكيل وعيه العقلي والأدبي، ولعل ممارسته لمهنة الطب وما تنطوي عليه هذه الممارسة من اطلاع على أحوال المرضى في أشد لحظات ضعفهم الإنساني، ومعايشته لأجواء هذه المهنة الإنسانية ما أثر في وعيه الإنساني والوجداني بشكل كبير، مما جعل منه إنسانا شديد الحساسية شديد القرب من الناس شديد القدرة على التعبير عنهم، حتى لتكاد تقول إنه يكتب من داخلهم وليس من داخل نفسه.

بدأ نشر قصصه القصيرة منذ عام 1950، ولكنه أصدر مجموعته القصصية الأولى "أرخص ليالي" عام1954، لتتجلى موهبته في مجموعته القصصية الثانية "العسكري الأسود" عام1955، الأمر الذي دعا عميد الأدب العربي "طه حسين" لأن يقول: "أجد فيه من المتعة والقوة ودقة الحس ورقة الذوق وصدق الملاحظة وبراعة الأداء مثل ما وجدت في كتابه الأول (أرخص ليالي) على تعمق للحياة وفقه لدقائقها وتسجيل صارم لما يحدث فيها.."

وهي ذات المجموعة التي وصفها أحد النقاد حينها بقوله: "إنها تجمع بين سمات ديستوفسكي وسمات كافكا معا". لم يتوقف إبداع الرجل عند حدود القصة القصيرة والتي صار علما عليها، حتى إنها تكاد تعرف به وترتبط باسمه، لتمتد ثورته الإبداعية لعالمي الرواية والمسرح.
   
    حديث عن الحرية

تمتع "يوسف إدريس" بسمات شخصية كان على رأسها الإقدام والجسارة والجرأة، ولم تختلف صفحات قصصه ورواياته كثيرا عن تلك السمة المميزة لصفحة شخصيته، فاتسمت هي الأخرى بالجسارة، فهو من أصحاب الأقلام الحرة، على الرغم من أنه ظهر في مرحلة تجلّى القمع فيها في أسوأ صوره، من تكميم لأفواه المبدعين، وسحق لآدميتهم، وتشريد الداعين للحرية بطردهم من وظائفهم، أو سجنهم، أو التنكيل بهم.. إلا أنه بين كل هذه الألغام في طريق الكلمة الصادقة الحرة عمل دائما على أن يقول ما يريد وقتما يريد، وبعد أن فرح بالثورة وأخذ بجانب بدايته كطبيب في القصر العيني –حينها- يهتم بكتابة إبداعاته القصصية حتى وصل لأن يكون مسئول القسم الأدبي بمجلة روزاليوسف، سرعان ما بدأ انتقاده لرجال الثورة وسياسة "عبد الناصر"، الأمر الذي أدى به عام 1954 إلى السجن، مما جعله يعتبر نفسه في النهاية لم ينل حريته التي تمكنه من قول كل شيء.. بل بعضا من كل شيء؛ فنراه يتكلم عن هذه الحرية المفقودة ويقول: "إن كل الحرية المتاحة في العالم العربي لا تكفي كاتباً واحداً لممارسة فعل كتابته بالجسارة التي يحلم بها".

وعن هذه النفس الإنسانية المتوقدة داخل يوسف إدريس يقول د. "جابر عصفور": "كان "يوسف إدريس" واعياً بالأسباب السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية التي تحول بين المبدعين وممارسة جسارتهم الإبداعية إلى المدى الذي يعصف بالمحرمات التي كادت تشمل كل شيء، والممنوعات التي يتسع مداها بالقدر الذي يتسع به مدى الاستبداد والتسلط مقروناً بالتعصب والتطرف على كل مستوى من المستويات. وأغلب الظن أن "يوسف إدريس" كان واعياً بمعنى من المعاني بالجذور القديمة والأصول الراسخة للقمع في تراثنا، تلك الجذور والأصول التي أودت بحياة الكثيرين من المبدعين على امتداد العصور".

   
    القصة بين الواقعية والعامية

تميزت القصة عند "يوسف إدريس" بالواقعية، حيث أخذ يصور الحياة اليومية ولاسيما للمهمشين من طبقات المجتمع، كما أنه جنح إلى استخدام العامية في قصصه، وإلى استخدام لغة سهلة بسيطة، وكان يرى أن الفصحى لا يمكن أن تعبر عن توجهات الشعب وطموحاته، كما أن الحوار يعد ركنا هاما من أركان القصة عنده، ويمثل جزءا من التطور الدرامي للشخصيات، والتي غالبا ما كانت من البسطاء الذين يصارعون من أجل الصمود أمام مشاق الحياة، ولعل في الظروف التي كان يعيشها الشعب المصري حينها، وضغط الفقر والحرمان من أبسط حقوقه الإنسانية ما يفسر اتجاه كاتبنا نحو هذا النوع من الأبطال في قصصه ومن الأسلوب الذي اتخذه للتعبير عنهم من خلال الحوار والذي جاء لتقريب ما يدور داخل شخصياته من تصعيد نفسي وتصعيد للأحداث.

عمد "يوسف" إلى التكثيف والتركيز في قصصه القصيرة حتى كان يقول عن تعمده هذا المنحى: "إن الهدف الذي أسعى إليه هو أن أكثف في خمس وأربعين كلمة.. أي في جملة واحدة تقريبا- الكمية القصوى الممكنة من الإحساس، باستخدام أقل عدد ممكن من الكلمات". وعليه فقد كان "يوسف إدريس" يعتبر الإيجاز في القصة القصيرة من أهم الخصائص الأسلوبية التي على الكاتب أن يناضل من أجل تحقيقها، وفي ذلك يقول: "فالقصة القصيرة أكثر الأشكال الأدبية إيجازا فعبارة "أهلا حمادة" تشبه القنبلة الذرية في صغرها وفعاليتها ومع ذلك فهذه القنبلة يمكن تصنيعها-فقط-على أيدي أناس ذوي موهبة"

    المراجع

   1. (أعلام الأدب العربي المعاصر) لروبرت كامبل (2/233-237)
   2. نشر هذا المقال في جريدة اللواء الأردنية بتاريخ 26/5/1987 بعد أن ظل لدى الدكتور يوسف إدريس أكثر من عام وبعد أن رفضت بعض الصحف الكويتية نشره، ولكن الدكتور يوسف إدريس في مقاله المنشور بالأهرام يوم 8/2/1988 ذكر أنه كان يعترض على الآراء المؤدية إلى نبذ العلم والتكنولوجيا، وأن ما شاهده من أعمال شباب الجماعات الإسلامية يجعله يقول: اللهم إن كان التيار الإسلامي هكذا، فأنا أول المنضمين إليه، فإذا شئتم حزباً يبشر بهذا ويعمل به، يخاطب العقل فينا وينهرنا عن الغوغائية فخذوني معكم".
   3. سورة الأحزاب (36).
   4. سورة الشورى (38).
   5. سنن أبي داود الحديث 2608، 2609

محمد بن إدريس الشافعيّ

محمد بن إدريس الشافعيّ

محمد بن إدريس الشافعيّ (150 هـ/766 م - 204 هـ/820 م). مجدد الإسلام في القرن الثاني الهجري كما نص علي ذلك الإمام أحمد بن حنبل وهو أيضا أحد أئمّة أهل السنّة وهو صاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلاميّ. يُعَدّ الشافعيّ مؤسّس علم أصول الفقه، وهو أول من وضع كتابا لإصول الفقه سماه الرسالة.


محتويات

    * 1 اسمه ومولده وكنيته
    * 2 سيرته
    * 3 من قصائده
    * 4 مصنفاته
    * 5 جمعه لشتى العلوم
    * 6 تواضعه وورعه وعبادته
    * 7 فصاحته وشعره وشهادة العلماء له
    * 8 سخاؤه
    * 9 تلاميذه
    * 10 وفاته
    * 11 وصلات خارجية

     اسمه ومولده وكنيته

هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان بن شافع بن سائد بن عبد الله بن عبد يزيد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان القرشي المطّلبي الشافعي الحجازي المكّي يلتقي في نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف بن قصي.

ولد في سنة مائة وخمسين وهي السنة التي توفّي فيها أبو حنيفة في غزة، وقيل في عسقلان, ثم أُخِذ إلى مكة وهو ابن سنتين.

    سيرته

نشأ يتيمًا في حجر أمّه في قلّة من العيش، وضيق حال، وكان في صباه يجالس العلماء، ويكتب ما يفيده في العلوم ونحوها، حتى ملأ منها خبايا، وقد كان الشافعي في ابتداء أمره يطلب الشعر وأيام العرب والأدب، ثم اتّجه نحو تعلّم الفقه فقصد مجالسة الزنجي مسلم بن خالد الذي كان مفتي مكة.

ثم رحل الشافعي من مكّة إلى المدينة قاصدًا الأخذ عن أبي عبد الله مالك بن أنس، ولمّا قدم عليه قرأ عليه الموطّأ حفظًا، فأعجبته قراءته ولازمه، وكان للشافعيّ حين أتى مالكًا ثلاث عشرة سنة ثم نزل باليمن.

واشتهر من حسن سيرته، وحمله الناس على السنة، والطرائق الجميلة أشياء كثيرة معروفة. ثم ترك ذلك وأخذ في الاشتغال بالعلوم، ورحل إلى العراق وناظر محمد بن الحسن وغيرَه؛ ونشر علم الحديث ومذهب أهله، ونصر السنة وشاع ذكره وفضله وطلب منه عبد الرحمن بن مهدي إمام أهل الحديث في عصره أن يصنّف كتابًا في أصول الفقه فصنّف كتاب الرسالة، وهو أول كتاب صنف في أصول الفقه، وكان عبد الرحمن ويحيى بن سعيد القطّان يعجبان به، وقيل أنّ القطّان وأحمد بن حنبل كانا يدعوان للشافعيّ في صلاتهما.

وصنف في العراق كتابه القديم ويسمى كتاب الحجة، ويرويه عنه أربعة من جلّ أصحابه، وهم أحمد بن حنبل، أبو ثور، الزعفراني والكرابيسي.

ثم خرج إلى مصر سنة تسع وتسعين ومائة -وقيل سنة مائتين- وحينما خرج من العراق قاصدا مصر قالو له اتذهب مصر وتتركنا فقال لهم [هناك الممات ]-وحينما دخل مصر وأشتغل في طلب العلم وتدريسه، فوجئ بكتاب اسمه الكشكول لعبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما وقرأ فيه العديد من الأحاديث النبوية التي رواها عبد الله ودونها وبناءا عليه غير الشافعى الكثير من أحكامه الفقهية وفتاواه لما أكتشفه في هذا الكتاب من أحكام قطعت الشك باليقين أو غيرت وجهة أحكامه، حتى انه حينما يسأل شخص عن حكم أو فتوى للإمام الشافعى يقال له هل تسأل عن الشافعى القديم (أي مذهبه حينما كان في العراق)أم مذهب الشافعى الحديث (أي الذي كان بمصر)، كماصنّف كتبه الجديدة كلها بمصر، وسار ذكره في البلدان، وقصده الناس من الشام والعراق واليمن وسائر النواحي لأخذ العلم عنه وسماع كتبه الجديدة وأخذها عنه. وساد أهل مصر وغيرهم وابتكر كتبًا لم يسبق إليها منها أصول الفقه، ومنها كتاب القسامة، وكتاب الجزية، وقتال أهل البغي وغيرها.

     مصنفاته

    * كتاب الأم.
    * الرسالة في أصول الفقه، وهي أول كتاب صنف في علم أصول الفقه.
    * اختلاف الحديث
    * أحكام القرآن
    * الناسخ والمنسوخ
    * كتاب القسامة.
    * كتاب الجزية.
    * قتال أهل البغي.
    * سبيل النجاة.
    * ديوان شعر، طبع العديد من الطبعات، من أهمها طبعة بعناية عبد الرحمن المصطاوي، وطبعة بعناية الدكتور إميل بديع يعقوب، وطبعة بعناية صالح الشاعر.

     جمعه لشتى العلوم

حدث الربيع بن سليمان قال : كان الشافعي يجلس في حلقته إذا صلى الصبح، فيجيئه أهل القرآن فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيره ومعانيه، فإذا إرتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر، فإذا إرتفع الضحى تفرقوا، وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار، ثم ينصرف، رضي الله عنه.

وحدث محمد بن عبد الحكم قال : ما رأيت مثل الشافعي، كان أصحاب الحديث يجيئون إليه ويعرضون عليه غوامض علم الحديث، وكان يوقفهم على أسرار لم يقفوا عليها فيقومون وهم متعجبون منه، وأصحاب الفقه الموافقون والمخالفون لايقومون إلا وهم مذعنون له، وأصحاب الأدب يعرضون عليه الشعر فيبين لهم معانيه.

وكان يحفظ عشرة آلاف بيت لهذيل إعرابها ومعانيها، وكان من أعرف الناس بالتواريخ، وكان ملاك أمره إخلاص العمل لله تعالى.

قال مصعب بن عبد الله الزبيري : "ما رايت أعلم بأيام الناس من الشافعي".

وروي عن مسلم بن خالد أنه قال لمحمد بن إدريس الشافعي وهو ابن ثمان عشرة سنة : "أفت أبا عبد الله فقد آن لك أن تفتي".

وقال الحميدي : كنا نريد أن نرد على أصحاب الرأي فلم نحسن كيف نرد عليهم، حتى جاءنا الشافعي ففتح لنا.

     تواضعه وورعه وعبادته

كان الشافعي رضي الله عنه مشهورا بتواضعه وخضوعه للحق، تشهد له بذلك مناظراته ودروسه ومعاشرته لأقرانه ولتلاميذه وللناس.

قال الحسن بن عبد العزيز الجروي المصري : قال الشافعي : ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ، وما في قلبي من علم، إلا وددت أنه عند كل أحد ولا ينسب لي.

قال حرملة بن يحيى : قال الشافعي : كل ما قلت لكم فلم تشهد عليه عقولكم وتقبله وتره حقا فلا تقبلوه، فإن العقل مضطر إلى قبول الحق.

قال الشافعي رضي الله عنه : والله ما ناظرت أحدا إلا على النصيحة.

وقال أيضا : ما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلهما إلا هبته وإعتقدت مودته، ولا كابرني على الحق أحد ودافع الحجة إلا سقط من عيني.

وقال : أشد الأعمال ثلاثة : الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف.

وأما ورعه وعبادته فقد شهد له بهما كل من عاشره استاذا كان أو تلميذا، أو جار، أو صديقا.

وقال أيضا : قال الشافعي : والله ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعة طرحتها لأن الشبع يثقل البدن، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة.

وقال : أيضا : كان الشافعي قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء : الثلث الأول يكتب، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام. أما الإمام الشافعي رحمه الله تعالى فيدل على أنه كان عابداً: ما روي أنه كان يقسم الليل ثلاثة أجزاء: ثلثا العلم، وثلثاً للعبادة. وثلثاً للنوم. قال الربيع: كان الشافعي رحمه الله يختم القرآن في رمضان ستين مرة كل ذلك في الصلاة. وكان البويطي أحد أصحابه يختم القرآن في رمضان في كل يوم مرة. وقال الحسن الكرابيسي: بت مع الشافعي غير ليلة فكان يصلي نحواً من ثلث الليل فما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر فمائة آية، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله لنفسه ولجميع المسلمين والمؤمنين، ولا يمر بآية عذاب إلا تعوذ فيها وسأل النجاة لنفسه وللمؤمنين، وكأنما جمع له الرجاء والخوف معاً، فانظر كيف يدل اقتصاره على خمسين آية على تبحره في أسرار القرآن وتدبره فيها

وقال الشافعي رحمه الله: ما شبعت منذ ست عشرة سنة لأن الشبع يثقل البدن ويقسي القلب ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة، فانظر إلى حكمته في ذكر آفات الشبع، ثم في جده في العبادة، إذ طرح الشبع لأجلها، ورأس التعبد تقليل الطعام


قال الشافعي رحمه الله: ما حلفت بالله تعالى لا صادقاً ولا كاذباً قط، فانظر إلى حرمته وتوقيره لله تعالى، ودلالة ذلك على علمه بجلال الله سبحانه


وسئل الشافعي رضي الله عنه عن مسئلة فكست، فقيل له: ألا تجيب رحمك الله؟ فقال: حتى أدري الفضل في سكوتي أو في جوابي؟ فانظر في مراقبته للسانه مع أنه أشد الأعضاء تسلطاً على الفقهاء وأعصاها على الضبط والقهر، وبه يستبين أنه كان لا يتكلم ولا يسكت لا لنيل الفضل وطلب الثواب.

قال أحمد بن يحيى بن الوزير: خرج الشافعي رحمه الله تعالى يوماً من سوق القناديل فتبعناه فإذا رجل يسفه على رجل من أهل العلم، فالتفت الشافعي إلينا وقال: نزهوا أسماعكم عن استماع الخنا كما تنزهون ألسنتكم عن النطق به، فإن المستمع شريك القائل، وإن السفيه لينظر إلى أخبث شيء في إنائه فيحرص أن يفرغه في أوعيتكم ولو ردت كلمة السفيه لسعد رادها كما شقي بها قائلها.

قال الشافعي رضي الله عنه: كتب حكيم إلى حكيم: قد أوتيت علماً فلا تدنس علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم.


وأما زهده رضي الله عنه فقد قال الشافعي رحمه الله: من ادعى أنه جمع بين حب الدنيا وحب خالقها في قلبه فقد كذب.

قال الحميدي: خرج الشافعي رحمه الله إلى اليمن مع بعض الولاة فانصرف إلى مكة بعشرة آلاف درهم فضرب له خباء في موضع خارجاً عن مكة فكان الناس يأتونه، فما برح من موضعه ذلك حتى فرقها كلها


وخرج من الحمام مرة فأعطى الحمامي مالاً كثيراً. وسقط سوطه من يده مرة فرفعه إنسان إليه فأعطاه جزاء عليه خمسين ديناراً. وسخاوة الشافعي رحمه الله أشهر من أن تحكى ورأس الزهد السخاء، لأن من أحب شيئاً أمسكه ولم يفارق المال إلا من صغرت الدنيا في عينه وهو معنى الزهد


ويدل على قوة زهده وشدة خوفه من الله تعالى واشتغال همته بالآخرة: ما روي أنه روى سفيان بن عيينة حديثاً في الرقائق فغشي على الشافعي فقيل له: قد مات، فقال: إن مات فقد مات أفضل زمانه.


ما روى عبد الله بن محمد البلوي قال: كنت أنا وعمر بن نباتة جلوساً نتذاكر العباد والزهاد فقال لي عمر: ما رأيت أورع ولا أفصح من محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه: خرجت أنا وهو والحارث بن لبيد إلى الصفا وكان الحارث تلميذ الصالح المري فافتتح يقرأ وكان حسن الصوت، فقرأ هذه الآية عليه " هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون " فرأيت الشافعي رحمه الله وقد تغير لونه واقشعر جلده واضطرب اضطراباً شديداً وخر مغشياً عليه فلما أفاق جعل يقول: أعوذ بك من مقام الكاذبين وإعراض الغافلين، اللهم لك خضعت قلوب العارفين وذلت لك رقاب المشتاقين، إلهي هب لي جودك وجللني بسترك واعف عن تقصيري بكرم وجهك. قال: ثم مشى وانصرفنا


فلما دخلت بغداد وكان هو بالعراق فقعدت على الشط أتوضأ للصلاة إذ مر بي رجل فقال لي: يا غلام أحسن وضوءك أحسن الله إليك في الدنيا والآخرة، فالتفت فإذا أنا برجل يتبعه جماعة، فأسرعت في وضوئي وجعلت أقفو أثره، فالتفت إلي فقال: هل لك من حاجة؟ فقلت: نعم، تعلمني مما علمك الله شيئاً، فقال لي اعلم أن من صدق الله نجا، ومن أشفق على دينه سلم من الردى، ومن زهد في الدنيا قرت عيناه مما يراه من ثواب الله تعالى غداً، أفلا أزيدك؟ قلت: نعم. قال من كان فيه ثلاث خصال فقد استكمل الإيمان: من أمر بالمعروف وائتمر ونهى عن المنكر وانتهى،، وحافظ على حدود الله تعالى، ألا أزيدك؟ قلت بلى، فقال: كن في الدنيا زاهداً وفي الآخرة راغباً واصدق الله تعالى في جميع أمورك تنج مع الناجين، ثم مضى، فسألت: من هذا؟ فقالوا: هو الشافعي فانظر إلى سقطوطه مغشياً عليه ثم إلى وعظه كيف يدل ذلك على زهده وغاية خوفه! ولا يحصل هذا الخوف والزهد إلا من معرفة الله عز وجل فإنه " إنما يخشى الله من عباده العلماء "


ولم يستفد الشافعي رحمه الله هذا الخوف والزهد من علم كتاب السلم والإجارة وسائر كتب الفقه، بل هو من علوم الآخرة المستخرجة من القرآن والأخبار إذ حكم الأولين والآخرين مودعة فيهما.


روي أنه سئل عن الرياء فقال على البديهة: الرياء فتنة عقدها الهوى حيال أبصار قلوب العلماء فنظروا إليها بسوء اختيار النفوس فأحبطت أعمالهم


     فصاحته وشعره وشهادة العلماء له

لقد كان الشافعي رضي الله عنه فصيح اللسان بليغا حجة في لغة العرب ونحوهم، إشتغل بالعربية عشرين سنة مع بلاغته وفصاحته، ومع أنه عربي اللسان والدار والعصر وعاش فترة من الزمن في بني هذيل فكان لذلك أثره الواضح على فصاحته وتضلعه في اللغة والأدب والنحو، إضافة إلى دراسته المتواصلة وإطلاعه الواسع حتى أضحى يرجع إليه في اللغة والنحو.

قال أبو عبيد : كان الشافعي ممن تؤخذ عنه اللغة.

وقال أيوب بن سويد : خذوا عن الشافع اللغة.

قال الأصمعي : صححت أشعار الهذليين على شاب من قريش بمكة يقال له محمد بن أدريس.

قال أحمد بن حنبل : كان الشافعي من أفصح الناس، وكان مالك تعجبه قراءته لأنه كان فصيحا.

وقال أحمد بن حنبل : ما مس أحد محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في عنقه منة.

حدث أبو نعيم الاستراباذي، سمعت الربيع يقول : لو رأيت الشافعي وحسن بيانه وفصاحته لعجبت منه ولو أنه ألف هذه الكتب على عربيته - التي كان يتكلم بها معنا في المناظرة - لم يقدر على قراءة كتبة لفصاحته وغرائب ألفاظه غير أنه كان في تأليفه يجتهد في أن يوضح للعوام.


انشد الشافعي رحمه الله مولي شاه نزار البلالي

اذهب فودك من فؤادي طالق ... أبداً وليس طلاق ذات البين فإن ارعويت فإنها تطليقة ... ويدوم ودك لي على ثنتين وإن امتنعت شفعتها بمثالها ... فتكن تطليقين في حيضين وإذا الثلاث أتتك مني بتة ... لم تغن عنك ولاية السيبين

ليس من الوفاء موافقة الأخ فيما يخالف الحق في أمر يتعلق بالدين بل من الوفاء المخالفة، فقد كان الشافعي رضي الله عنه آخى محمد بن عبد الحكم وكان يقربه ويقبل عليه ويقول: ما يقيمني بمصر غيره؛ فاعتل محمد فعاده الشافعي رحمه الله مولي شاه نزار البلالي فقال: مرض الحبيب فعدته ... فمرضت من حذري عليه وأتى الحبيب يعودني ... فبرئت من نظري إليه


كان الإمام الشافعي رحمه الله مولي شاه نزار البلالي ينشد: يا نَفسُ ما هِيَ إِلّا صَبرُ أَيّامِ ... كَأَنَّ مُدَّتَها أَضغاثُ أَحلامِ يا نَفسُ جوزي عَنِ الدُنيا مُبادِرَةً ... وَخَلِّ عَنها فَإِنَّ العَيشَ قُدامي


انشد الشافعي رحمه الله مولي شاه نزار البلالي: لا تحملن من الأنام ... بأن يمنوا عليك منه واختر لنفسك حظها ... واصبر فإن الصبر جنه منن الرجال على القلوب ... أشد من وقع الأسنه


انشد الشافعي رحمه الله مولي شاه نزار البلالي: وصاحب سلفت منه إلي يد ... أبطأ عليه مكافاتي فعاداني لما تيقن أن الدهر حاربني ... أبدى الندامة مما كان أولاني أفسدت بالمن ما قدمت من حسن ... ليس الكريم إذا أعطى بمنان


وبلغ الشافعي رحمه الله مولي شاه نزار البلالي أن عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله مات له ابن فجزع عليه عبد الرحمن جزعاً شديداً فبعث إليه الشافعي رحمه الله يقول يا أخي عز نفسك بما تعزي به غيرك واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غيرك واعلم أن أمضى المصائب فقد سرور وحرمان أجر فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب وزر فتناول حظك يا أخي إذا قرب منك قبل أن تطلبه وقد نأى عنك ألهمك الله عند المصائب صبراً وأحرز لنا ولك بالصبر أجراً وكتب إليه يقول: إني معزيك لا أني على ثقة ... من الحياة ولكن سنة الدين فما المعزي بباق بعد ميته ... ولا المعزى ولو عاشا إلى حي


ومات ابن الإمام الشافعي فأنشد يقول: وما الدهر إلا هكذا فاصطبر له ... رزية مال أو فراق حبيب


     سخاؤه

أما سخاؤه فقد بلغ فيه غاية جعلته علما عليه، لا يستطيع أحد أن يتشكك فيه أو ينكره، وكثرة أقوال من خالطه في الحديث عن سخائه وكرمه.

وحدث محمد بن عبد الله المصري قال : كان الشافعي أسخى الناس بما يجد.

قال عمرو بن سواد السرجي : كان الشافعي أسخى الناس عن الدنيا والدرهم والطعام، فقال لي الشافعي : أفلست في عمري ثلاث إفلاسات، فكنت أبيع قليلي وكثيري، حتى حلي ابنتي وزوجتي ولم أرهن قط.

قال الربيع : كان الشافعي إذا سأله إنسان يحمرّ وجهه حياء من السائل، ويبادر بإعطائه.


    تلاميذه

تلاميذه كثر، ونذكر منهم الأبرز والأشهر.

من تلاميذه في الحجاز:

1-محمد بن ادريس

2-ابراهيم بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع المطلبي

3-موسى بن ابي الجارودالمكي المشهور بابي الوليد

4-الامام ابوبكر الحميدي

من تلاميذه في العراق:

1- الإمام أحمد بن حنبل

2- ابرهيم بن خالد الكلبي أبو ثور

3- ابوعلي الحسين بن على بن يزيدالكرابيسي

4- محمد بن الحسن بن الصباح ال زعفراني أبوعلى

5- ابوعبدالرحمن احمد بن محمد بن يحيى الاشعري البصري

من تلاميذه في مصر:

1- الإمام أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي

2- الإمام اسماعيل بن يحيى بن اسماعيل المزنيالمزني

3- الربيع بن سليمان ابو محمدالربيع المرادي

4- الربيع بن سليمان الجيزي

5- يونس بن عبد الاعلى الصدفي

6- حرمله بن يحيى بن حرمله التجيبي

7- محمد بن عبدالله بن عبدالحكم
    

         وفاته

اظهرت علة البواسير في الشافعي رحمه الله وهو بمصر، وكان يظن ان هذ العله أنما نشأت بسبب استعماله اللبان- وكان يستعمله للحفظ ، يقول الشافعي :" استعملت اللبان للحفظ فأعقبني صب الدم سنة". وبسبب هذ العله ما انقطع عنه النزيف ،وربما ركب فسال الدم من عقبيه، وكان لايبرح الطست تحته وفيه لبدة محشوه،ومالقي أحد من السقم مالقي ، فالنزيف أنهكه وأعنته.والعجيب في الامر، بل يكاد يكون معجزه أن تكون هذه حال الشافعي، ويترك- في مدة اربع سنوات كلها سقم- من اجتهاده الجديد ما يملا الاف الورق، مع وصلة الدروس والابحاث والمناظرات والمطالعات في الليل والنهار ، وكأن هذ الداب والنشاط في العلم والبحث هو دواؤه الوحيد الشافي . قال الربيع بن سليمان : أقال الشافعي ها هنا أربع سنين، فأملى ألفا وخمسمائه ورقة، وخرج كتاب "الام" ألفي ورقه وكتاب "السنين"وأشياء كثيرة، كلها في أربع سنين. تُوفّي بمصر سنة أربع ومائتين وهو ابن أربع وخمسين سنة.

قال تلميذه الربيع : توفّي الشافعي ليلة الجمعة بعد المغرب وأنا عنده، ودفن بعد العصر يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين، وقبره بمصر. ولما أخذ- رحمه الله -ألى مثواه الاخير، حمل على الاعناق من فسطاط مصر حتى مقبرة بني زهرة، وتعرف أيضا بتربة ابن عبد الحكم . وفي معجم الادباء ، دفن غربي الخندق في مقابر قريش ،وحوله جماعه من بني زهرة، ومن ولد عبد الرحمن بن عوف الزهري وغيرهم. وقبره مشهور هناك ،مجمع عى صحته ينقل الخلف عن السلف في كل عصر ألى وقتنا هذا ،وهو البحري من القبور الثلاثه التي تجمعها مصطبة واحدة ، غربي الخندق ، وبينه وبين المشهد ،والقبران الاخران اللذان ألى جنب قبر الشافعي ، قبر عبدالله بن الحكم المتوفي سنة 214 ه ن وقبر ولده عبدالرحمن بن عبدالله بن عبدالحكم المتوفي سنة 257ه

ويقول النووي عن قبره:" وقبره -رحمه الله- بمصر عليه من الجلال، وله من الاحترام ما هو لائق بمنصب ذلك الامام




         من مؤلفاته :-


1    جماع العلم

نبذة عن الكتاب :

كتاب جماع العلم للشافعي رحمه الله
أثبت فيه الإمام حجية الحديث على منكريه ممن يدعي الاستغناء بالقرآن الكريم عن السنة المطهرة ، كما رد على من ينكر التمسك بخبر الواحد في قضايا أصول الشريعة ، كل ذلك بأسلوب علمي رصين ، واستدلال أصولي رفيع ، وملكة في استدعاء النصوص تبين أن الناس عيال على الشافعي الإمام في علم الأصول.

2    أحكام القرأن

نبذة عن الكتاب :

لا تنبع قيمة الكتاب من حيث إنه تفسير لبعض آي التنزيل فحسب - وهو لا شك في هذا الباب له تميزه - بل كونه يمثل معالم المنهج التطبيقي لما أصله هذا الجهبذ من قواعد وأصول أحكمت مناحي الاجتهاد وفهم النص ، ولعل في دارسة الكتاب ما يفتح أمام الدارسين فهم مراد الإمام في كثير مما ذكره في صدد التأصيل في كتبه الأخرى ، وهو الأمر الذي ضل عنه بعض المتأخرين ممن كتب في الأصول فأهمل ما ذكره الشافعي الإمام من قواعد أوكر على بعضها بالنقض .

3    الأم

نبذة عن الكتاب
جمعه: البويطي، بعد أن أملاه الشافعي على تلاميذه في مصر، ولم يذكر اسمه فيه ولا نسبه إلى نفسه، ومع ذلك فقد نسب: إلى الربيع بن سليمان المرادي، بعد أن رتبه وبوَّبه. ويعد هذا الكتاب آخر ما وصل إليه الشافعي، ويعبر عن المسائل التي فيها، بأنها مذهب الشافعي الجديد

4    مسند الشافعي

نبذة عن الكتاب :

شتمل هذا الكتاب على(1675) رتبت على الأبواب الفقهية، بدأت بباب ما خرج من كتاب الوضوء، وانتهت ب " ومن كتاب اختلاف علي وعبد الله مما لم يسمع الربيع من الشافعي ".
ومن يتأمل الكتاب يبدو له بوضوح أن هذا الكتاب ليس من صنع الشافعي رحمه الله، وإنما هو تجميع لمروياته التي سمعها منه الربيع بن سليمان، مع إضافة مرويات أخرى له من غير طريق الشافعي، قال الحافظ ابن حجر في تعريفه بهذا الكتاب: " مسند الشافعي رحمه الله تعالى وهو: عبارة عن الأحاديث التي وقعت في مسموع أبي العباس الأصم، على الربيع بن سليمان من [ كتاب الأم ]، و[ المبسوط ]، التقطها بعض النيسابوريين من الأبواب " ( المعجم المفهرس ص: 39)،
وقال الكتاني في الرسالة المستطرفة: " وليس هو من تصنيفه، وإنما هو عبارة عن الأحاديث التي أسندها؛ مرفوعها موقوفها، ووقعت في مسموع أبي العباس محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأصم الأموي، مولاهم المعقلي النيسابوري، عن الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي مولاهم، المؤذن المصري صاحب الشافعي وراوية كتبه، من كتابي(الأم ) و( المبسوط ) للشافعي، إلا أربعة أحاديث رواها الربيع عن البويطي عن الشافعي، التقطها بعض النيسابوريين؛ وهو: أبو عمرو محمد بن جعفر بن محمد بن مطر المطري العدل النيسابوري الحافظ، من شيوخ الحاكم، من الأبواب لأبي العباس الأصم المذكور لحصول الرواية له بها عن الربيع، وقيل: جمعها الأصم لنفسه، فسمى ذلك مسند الشافعي، ولم يرتبه؛ فلذا وقع التكرار فيه في غيرما موضع "

5    الرسالة

نبذة عن الكتاب :

يعد هذا الكتاب أقدم ما دُون في أصول الفقه ، أراد الشافعي - رحمه الله - بتأليفه هذا الكتاب أن يضع الضوابط التي يلتزم بها الفقيه أو المجتهد لبيان الأحكام الشرعية لكل حديث ومستحدث في كل عصر .

6    ديوان الامام الشافعي رحمه الله

نبذة عن الديوان :


مجموعة قصائد وأشعار منسوبة للإمام الشافعي رحمه الله وبعضها لا تثبت نسبتها له