Wednesday, December 14, 2022

شرح معلقة عنترة بن شداد العبسي

شرح معلقة عنترة بن شداد  العبسي

إنّ عنترة نظم معلقته بعد أن نال حريته من العبوديّة، واعترف أبوه به ولدًا له، كما قيل إنّ رجلًا من عبس قد شتم عنترة وعيّره بأمّه وبانّه عبدٌ أسود، فبدا عنترة يقول الشعر مفتخرًا بنفسه وببسالته وبشجاعته وفروسيته متحدّيًا كل خصومه، فكانت هذه الأبيات من أجمل ما قيل في الشعر العربيّ والجاهليّ، وقد بدأها بوصف حبّه لابنة عمّه عبلة.

الأبيات 1 – 5

1.       هلْ غادرَ الشُّعراءُ منْ متردَّم               أم هلْ عرفتَ الدارَ بعدَ توهمِ

2.       يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي                    وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي

3.       فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّها فَدَنٌ            لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ

4.       وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُنا                   بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ

5.       حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ               أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَم 

يبدأ عنترة قصيدته بالسؤال عن حال الشعراء الذين لم يتركوا موضعًا لكتابة الشعر إلا كتبوا به ووصفوه ثم انتقل ليتساءل عن معرفته بدار حبيبته بعد شكّه بها، وطلب من ديار المحبوبة أن تتكلم وتخبره عن أهلها وما فعلوا في كل تلك الأيام، ووقف بعدها عن استخباره وسؤاله وألقى عليها التحيّة فقال: طاب صباحك وطاب عيشك وسلمت يا ديار الأحبّة، وتابع في الحديث عن ديار الحبيبة فقال أنّه حبس ناقته فيها، وشبّه ناقته بالقصر، وقال إن حبسه الناقة كان وقوفًا في ديار المحبوبة من أجل قضاء حاجته من البكاء عليها، والحزن على أيام وصالها، ثم قال بأنّ عبلة وأهلها نزلوا بموضع يدعى الجواء، أمّا أهله فنزلوا بمواضع تدعى الحَزن والصماء والمتثلم، ورجع بعدها لتحية الأطلال وبأنّها قد قدم عليها العهد بعد أن خلت من أهلها كلّ ذلك الزمن وكان من بين أهلها محبوبته عبلة،

الأبيات 6 – 12

6.       حَلَّت بِأَرضِ الزائِرينَ فَأَصبَحَت          عَسِراً عَلَيَّ طِلابُكِ اِبنَةَ مَخرَمِ

7.       عُلِّقتُها عَرَضاً وَأَقتُلُ قَومَها                  زَعماً لَعَمرُ أَبيكَ لَيسَ بِمَزعَمِ

8.       وَلَقَد نَزَلتِ فَلا تَظُنّي غَيرَهُ                    مِنّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَمِ

9.       كَيفَ المَزارُ وَقَد تَرَبَّعَ أَهلُها                   بِعُنَيزَتَينِ وَأَهلُنا بِالغَيلَمِ

10.   إِن كُنتِ أَزمَعتِ الفِراقَ فَإِنَّما              زُمَّت رِكابُكُمُ بِلَيلٍ مُظلِمِ

11.   ما راعَني إِلّا حَمولَةُ أَهلِها                     وَسطَ الدِيارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمخِمِ

12.   فيها اِثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً                   سوداً كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ

ثم يوجه عنترة الكلام لمحبوبته بأنّها قد نزلت بأرض أعدائه، فأصبح طلبها صعبًا جدًا عليه، ثم قال بأنّه أحبّها فجأةً ومن غير قصد منه، وكان ذلك من نظرة واحدة نظرها لها فكانت كافية بأن يشغف بها حبًّا، وكان ذلك على الرغم من قتاله وصراعه مع قومها، كما كان طامعًا بوصالها في خضمّ كل ذلك القتال والعداء وهذا طمع ليس في موضعه، وتابع في وصف حبّه لها بقوله أنّها نزلت في قلبه منزلة المحبّ المكرم، ولتكن متيقنة من ذلك وألا يخطر لها أن تظنّ غيرهن ثم تساءل عن طريقة ليزورها بها وقد أقام أهلها وقت الربيع بموضعين وأقام أهله في موضع بعيد عنها، وبين المواضع مسافة كبيرة ومشقّة في السفر، ثم قال لها إن كانت قد اعتادت الفراق ووطّنت نفسها عليه، فإنّه قد شعر بذلك عندما غادرت، ولم ينذره برحيلها في ذلك الوقت إلا انقضاء مدّة الكلأ والانتجاع فصارت إبلهم تستفّ حي الخمخم في وسط الديار، وقد وصف قافلة أهلها عندما غادروا بأنّه كان فيها اثنتان وأربعون ناقة سوداء، وهذه النوق الغالية الثمن هي دليل على ثراء أهلها.

الأبيات 13 – 19

13.   إذ تستبيكَ بذي غروب واضح            عذبٍ مقبلهُ لذيذُ المطعم

14.   وكأَنَّ فَارَة َ تاجرٍ بقسيمَة ٍ                    سبقتْ عوارضها اليكَ من الفمْ

15.   أوْ روْضَة ً أُنُفاً تضمَّنَ نبتَها                  غيْثٌ قليلُ الدِّمن ليسَ بمَعْلَمِ

16.   جادَت عَليهِ كُلُّ بِكرٍ حُرَّةٍ                     فَتَرَكنَ كُلَّ قَرارَةٍ كَالدِرهَمِ

17.   سَحّاً وتسْكاباً فَكلَّ عشيَّة ٍ                   يجري عليها الماءُ لم يتصرَّم

18.   وَخَلا الذُبابُ بِها فَلَيسَ بِبارِحٍ               غَرِداً كَفِعلِ الشارِبِ المُتَرَنِّمِ

19.   هَزِجاً يَحُكُّ ذِراعَهُ بِذِراعِهِ                    قَدحَ المُكِبِّ عَلى الزِنادِ الأَجذَمِ

ثم يصف عنترة محبوبته وجمالها، وشبّه رائحتها برائحةالمسك، كما شبهها بالرّياض التي لم ترعى فيها المواشي بعد، بخضرتها وجمالها وقد أمطرت على هذه الرياض أمطار متواصلة لا انقطاع حتى تركت حفر من المياه كأنّها دراهم في استدارتها وصفائها وبياضها وقد استوطنها الذباب وبدأ صوته فيها كصوت غناء شارب الخمر.

الأبيات 20 – 21

20.   تمسي وتصبحُ فوق ظهر حشيةٍ          وأبيتُ فوق سرَاة ِ أدْهم مُلْجَم

21.   وحشيتي سرجٌ على عبل الشَّوى         نَهْدٍ مَراكِلُهُ نَبيلِ المحزِمِ

ثم يتابع فيقول إنّها أيّ حبيبته تنعم بالنوم الهانئ وهو يكابد عناء الحروب والأسفار، وأنّه يستوطن ظهر فرسه غليظ القوام ضخم الجنبين كما يستوطن غيره حشية الثياب .

الأبيات 22 – 27

22.   هل تبلغنى دارها شدنية                       لُعِنتْ بمَحْرُوم الشَّرابِ مُصرَّم

23.   خَطّارَةٌ غِبَّ السُرى زَيّافَةٌ                     تَطِسُ الإِكامَ بِوَخذِ خُفٍّ ميثَمِ

24.   وكأنما أقصُ الإكام عشيةً                   بقريبِ بينِ المنْسِمين مُصلَّم

25.   تأوي له قلصُ النَّعام كما أوتْ            حزقٌ يمانية ٌ لأعجمَ طمطمِ

26.   يتبعنَ قلة رأسهِ وكأنهُ                          حِدْجٌ على نعْش لهُنَّ مخيَّمِ

27.   صَعلٍ يَعودُ بِذي العُشَيرَةِ                     بَيضَهُ كَالعَبدِ ذي الفَروِ الطَويلِ الأَصلَمِ

ثم يقول عن ناقته هل تراها ناقة شدن ستبلغه ديار المحبوبة، وهي ناقة قويّة على الأسفار ثم يتابع في وصف الناقة قائلًا بأنّها ناقة نشيطة ومرحة على الرغم من أنّها قد سارت معه الطريق كلّه، وقد شبّه سرعتها بسرعة الظليم الذي تأوي إليه النعام كما تأوي إلى راعٍ أعجمي إبلٌ يمانيّة، فشبه سواد الظليم بسواد الراعي الأعجمي، فجعلت هذه النعام الظليم نصب عينيها ولم تعد تنحرف عنه، ثم شبهه بهودج النساء أيّ كالخيمة على مكان مرتفع، وشبّه هذا الظليم بعبد أسود يلبس الفرو وليس له أذن فليس للنعام آذان، وكان هذا الفرو هو الجناحين.

الأبيات 28 – 33

28.   شَربتْ بماءِ الدُّحرُضينِ فأَصْبحتْ     زوراءَ تنفرُ عن حياض الدَّيلم

29.   هِرٍّ جَنيبٍ كلّما عطفتْ لهُ                    غضبى اتقاها باليدين وبالفم

30.   بَرَكَت عَلى جَنبِ الرِداعِ كَأَنَّما              بَرَكَت عَلى قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ

31.   وَكأَنَّ رُبّاً أَو كُحَيلاً مُعقَداً                      حَشَّ الوَقودُ بِهِ جَوانِبَ قُمقُمِ

32.   ينْباعُ منْ ذِفْرَى غَضوبٍ جَسرَة ٍ        زيافة ٍ مثل الفَنيق المُكْدَمِ

33.   إنْ تغدفي دوني القناع فانني                طبٌّ بأخذ الفارس المستلئم

ثمّ يعود الشاعر  لوصف ناقته بأنّها شربت من ماء هذا الموضع فأصبحت نافرة تميل عن مياه الأعداء، فالعرب تسمي أعدائها بالديلم لأنّ الديلم من أصناف أعدائها، وكأنّ ناقته تتنحى إلى جانبها الأيمن وذلك لفرط نشاطها في السير فهي لا تستقيم في سيرها ، وتبتعد مخافة أن يضربها بالسوط، ويتابع في وصف الناقة فيقول بأنّها إذا بركت صدر عنها أنين فكان صوت أنينها كصوت القصب المكسور الذي يُصدر صوتًا إذا برك شيء عليه، كما شبه العرق الذي يسيل من رأسها وعنقها بالقطران الذي يتقطر من قمقم يغلي على النار، وعرق الإبل لونه أسود لذلك شبهه به، وشبه رأسها بالقمقم لصلابته، ويتابع فيقول بأنّ العرق ينبع من خلف أذن الناقة، وبأنّها ناقة غضوب وتتبختر في سيرها كأنّها فحل في وثاقة خلقها وضخامتها.

الأفكار الرئيسة في معلقة عنترة

منها: الاعتراف باستغراق الشعراء لكثير من المعاني البلاغية. الوقوف على الأطلال والبكاء عليها. الدعاء بالسقيا لديار المحبوبة. تذكُّر يوم رحيل المحبوبة وأهلها. ذكر أماكن إقامة المحبوبة وإقامة قومه. ذكر محاسن المحبوبة.

الصور الفنية في معلقة عنترة

ومن أبرزها:

§        ’ وَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّها فَدَنٌ ’ شبّه الناقة بالقصر من حيث الضخامة، ذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ولكنّه لم يذكر وجه الشبه، فالتشبيه هنا مُجمَل.

§        ’فيها اِثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً سودًا كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ’  شبه النوق بريش الغراب الأسود، ذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ولكنّه لم يذكر وجه الشبه، فالتشبيه هنا مُجمَل.

§        ’وَكَأَنَّ فأرَةَ تاجِرٍ بِقَسيمَةٍ سَبَقَت عَوارِضَها إِلَيكَ مِنَ الفَمِ’  شبّه الشاعر ثغر المحبوبة بفأرة العطّار وهي الأداة التي يرش فيها العطر، ذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ولكنّه لم يذكر وجه الشبه، فالتشبيه هنا مُجمَل.


Thursday, December 8, 2022

ابن الروميّ ( 221هـ - 283هـ )

ابن الروميّ ( 221هـ - 283هـ )

هو أبو الحسن علي بن العباس ، والمعروف بابن الروميّ. وُلد في شهر رجب من عام 221هـ في مدينة بغداد، وهو ذو أصل روميّ من جهة الأب، وأصل فارسيّ من جهة الأم، واشتُهر بأنه من أشهر الشعراء المولّدين في القرن الثالث الهجريّ في العصر العباسيّ، ويمتاز شعره بالسلاسة، والعذوبة، والإطناب، وقد تميّز معظم شعره بأنّه هجاء بصورة كاريكاتورية.

تتلمذ ابن الروميّ على يد محمد بن حبيب، فقد كان يرجع إليه في بعض مفرداته اللغوية، وقد رُزق بثلاثة أبناء، وقد توفوا جميعاً في طفولتهم، ويتّصف ابن الرومي بعدة صفات، من أهمّها: دقة الحس، وحدّة المزاج، وسرعة الرضا، وصدق المودة، وحبّه لأولاده وأهله، وعطفه على الفقراء والمساكين.

كان الرومي مولعاً بالعلم، فقد انصرف لمتابعة تعليمه في مجالس العلماء، والفقهاء، والأدباء، والرواة منذ صغره، وقد تتلمذ على يد العديد من المعلمين، ومن ضمنهم أبي العباس ثعلب الذي تتلمذ عن حماد بن المبارك، وقد اهتمّ بتعلّم الفلسفة، بالإضافة إلى أنّه اتجه لتعلّم الثقافة المعاصرة، والشعر، ورواية القديم والحديث.

توفي الشاعر ابن الروميّ في 283 هجري، وقد عُرف بقدرته الكبيرة على الوصف والشعر، وقد قيل بأنّه مات مسموماً بسبب هجائه للوزير القاسم بن عبيد الله، وقد عرف ابن الروميّ بأنّه ما مدح رئيساً أو مرؤوساً إلا وعاد إليه فهجاه، ولذلك قلّت فائدته من قول الشعر، وهذا ما كان سبباً في وفاته.

  من قوله :

عدوُّكَ من صديقك مستفاد            فلا تستكثرنَّ من الصِّحابَ

فإن الداءَ أكثرَ ماتراهُ          يحولُ من الطعام أو الشرابِ

  

Wednesday, December 7, 2022

البوصيري

 

البوصيري

هو شرف الدين محمد بن سعيد الصنهاجي البوصيري شاعر عربي من أصل أمازيغي، ومن أشهر أعماله قصيدة البردة.  ويعدّ البوصيري من أكثر الشعراء تميزاً بكتابة القصائد في مجال مدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم.

واشتهر البوصيري بمدائحه النبوية التي ذاع صيتها في الآفاق، وتميزت بروحها النقية، وعاطفتها الصادقة، وروعة معانيها، وجمال تصويرها، ولغتها الدقيقة، وشكلها الساحر، وبراعة نظمها، فأصبحت مدرسة لشعراء المدائح النبوية من بعده، كما تُستخدم قصائده كنماذج يحاكيها الشعراء الذين يسيرون على نهجه وأسلوبه وطريقته بالتأليف، فظهرت قصائد عديدة في فن المدائح النبوية التي أذهلت ملايين المسلمين على مرّ العصور، ولكنها كانت دائماً تشهد بريادة الإمام البوصيري وإتقانه لهذا الفن المتميز  .

وُلد البوصيري في قرية دلاص في بني سويف بصعيد مصر في عام 1213م، وقد انتقل إلى القاهرة حيث درس علوم اللغة، والأدب العربي، وقواعد العروض، وعلم التشكيل، والتاريخ الإسلامي، وسيرة النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، وتلقّى البوصيري العلم منذ صغره، حيث حفظ القرآن في طفولته، وتتلمذ على عدد من العلماء المعروفين، وكان معاصراً لشعراء مميزين، منهم: عمر ابن الفارض، وابن مطروح، وبهاء زهير، وقد درس الصوفية مع أبي العباس المرسي، كما كرّس طاقته وشِعره وإتقانه الفني ليشيد بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد أثّر البوصيري على عدد من العلماء البارزين، منهم: أبو حيان الغرناطي، وأبو الفتح ابن سيد الناس العمري.

تُعدّ قصديته الشهيرة الكواكب الدريّة في مدح خير البرية المعروفة باسم البردة من بين أروع القصائد التي كُتبت في مدح النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهي قصيدة طويلة تقع في 160 بيتاً، وقيل إنّ السبب في نظمه لهذه القصيدة هو إصابته بالضعف والوهن، فكتب هذه القصيدة؛ ليستشفع بها راجياً من الله أن يعافيه من مرضه،[٣] فرأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في منامه وغطاه ببردته، وشفي بعدها من مرضه،[١] وقد تُوفي البوصيري عام 1295م بالإسكندرية عن عُمر يناهز 87 عاماً.

البحتري

 

البحتري

الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي, أبو عبادة البحتري شاعر كبير، يقال لشعره (سلاسل الذهب). وهو أحد الثلاثة الذين كانوا أشعر أبناء عصرهم: المتنبي، وأبو تمام، والبحتري. قيل لأبي العلاء المعري: أي الثلاثة أشعر؟ فقال: المتنبي وأبو تمام حكيمان، وإنما الشاعر البحتري. ولد بمنبج (بين حلب والفرات) ورحل إلى العراق، فاتصل بجماعة من الخلفاء أولهم المتوكل العباسي، ثم عاد إلى الشام، وتوفي بمنبج. له (ديوان شعر - ط) وكتاب (الحماسة - ط) على مثال حماسة أبي تمام. وللآمدي (الموازنة بين أبي تمام والبحتري - ط) وللمعري (عبث الوليد - ط) في تصحيح نسخة وقعت له من ديوانه. ولعبد السلام رستم (طيف الوليد أو حياة البحتري - ط) ولرفيق فاخوري (البحتري - ط) ولحنا نمر؛ ولمحمد صبري (أبو عبادة البحتري - ط) ولجرجيس كنعان (البحتري، درس وتحليل - ط) وكلها رسائل، وفيها ما يحسن الرجوع إليه.

أبو تمام

 

أبو تمام

هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي،. الشاعر، الأديب. أحد أمراء البيان. ولد في جاسم (من قرى حوران بسورية) ورحل إلى مصر، واستقدمه المعتصم إلى بغداد، فأجازه وقدمه على شعراء وقته فأقام في العراق. ثم ولي بريد الموصل، فلم يتم سنتين حتى توفي بها. كان أسمر طويلا، فصيحاً، حلو الكلام، فيه تمتمة يسيرة، يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب غير القصائد والمقاطيع. في شعره قوة وجزالة. واختلف في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتري. له تصانيف منها (فحول الشعراء - خ) و (ديوان الحماسة - ط) و (مختار أشعار القبائل) وهو أصغر من ديوان الحماسة، و (نقائض جرير والأخطل - ط) نسب إليه، ولعله للأصمعي، كما يرى الميمني و (الوحشيات - ط) وهو ديوان الحماسة الصغرى، و (ديوان شعره - ط) ومما كُتب في سيرته (أخبار أبي تمام - ط) لأبى بكر محمد بن يحيى الصولي، و (أبو تمام الطائي: حياته وشعره - ط) لنجيب محمد البهبيتي المصري، و (أخبار أبى تمام) لمحمد علي الزاهدي الجيلاني المتوفى بالهند سنة 1181هـ، و (أخبار أبي تمام) للمرزباني، و (أبو تمام - ط) لرفيق الفاخوري، ومثله لعمر فروخ، و (هبة الأيام فيما يتعلق بأبي تمام - ط) ليوسف البديعي.

ابو الطيب المتنبي. (303هـ - 354هـ)

 

ابو الطيب المتنبي. (303هـ - 354هـ)

هو احمد بن الحسين ولد سنة 303 هـ في الكوفة بالعراق، وعاش أفضل ايام حياته وأكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب وكان أحد أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً باللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تتح مثلها لغيره من شعراء العربية. فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، وظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء. وهو شاعرحكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي. وتدور معظم قصائده حول مدح الملوك. قال الشعر صبياً. فنظم أول اشعاره وعمره 9 سنوات.

 اشتهر بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية باكراً. صاحب كبرياء وشجاع طموح محب للمغامرات. في شعره اعتزاز بالعروبة، وتشاؤم وافتخار بنفسه، أفضل شعره في الحكمة وفلسفة الحياة ووصف المعارك، إذ جاء بصياغة قوية محكمة. إنه شاعر مبدع عملاق غزير الإنتاج يعد بحق مفخرة للأدب العربي، فهو صاحب الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة. وجد الطريق أمامه أثناء تنقله مهيئاً لموهبته الشعرية الفائقة لدى الأمراء والحكام، إذ تدور معظم قصائده حول مدحهم. لكن شعره لا يقوم على التكلف والصنعة، لتفجر أحاسيسه وامتلاكه ناصية اللغة والبيان، مما أضفى عليه لوناً من الجمال والعذوبة. ترك تراثاً عظيماً من الشعر القوي الواضح، يضم 326 قصيدة، تمثل عنواناً لسيرة حياته، صور فيها الحياة في القرن الرابع الهجري أوضح تصوير.

وقد ترك المتنبي وراءَه عدداً كبيراً من القصائد المتنوّعة، والتي بلغ عددها ثلاثمائة وستة وعشرون قصيدةً، وتعتبر هذه القصائد سجلّاً تاريخياً لأحداث عصره في القرن الرابع الهجريّ، كما وتعتبر بمثابة سيرةً ذاتيةً للشاعر.

من شعره :

الخَيْـلُ وَاللّيْـلُ وَالبَيْـداءُ تَعرِفُنـي               وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَـمُ

صَحِبْتُ فِي الفَلَواتِ الوَحشَ منفَـرِداً          حتى تَعَجّبَ منـي القُـورُ وَالأكَـمُ

 

 

 

بشار بن برد بن يرجوخ العُقيلي (96 هـ - 168 هـ)

 

بشار بن برد بن يرجوخ العُقيلي (96 هـ - 168 هـ)

اسمه أبو معاذ ولُقب بالمُرعث وذلك لأنه كان يضع حلقاً من الذهب في أذنه، ولد أعمى. كان شاعرا مطبوعا وإماما الشعراء المولدين. كان من المخضرمين حيث عاصر نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية، كما من فحولة الشعراء في العصر الأموي. واتُّهم بالزندقة في ذلك الوقت، ولكن ما ظهر في شعره أنه كان مسلماً، ويوجد في قصائده ما يشير إلى أنه التزم بأركان الإسلام من صلاة وصيام وحج، لكنه كان كثير الاستهزاء في قالب من المجون والهزل.

خصائص شعر بشار بن برد

 يعتبر بشار بن برد من الشعراء المجدِّدين في العصر العباسي حيث تميز شعره بمجموعة من السمات:

§       تميزت أشعاره بالمزج ما بين القديم والحديث، والبداوة والحضارة.

§       استوعب بشار بن برد تداخل الحضارات وامتزاج الأجناس بعضها ببعض.

§       برع بشار بن برد بالتصوير الفني رغم فقدان بصره، حيث كان يصف الأحداث وصفاً واقعياً دقيقاً يعجز عنه المبصرون.

§       إن قصائده الغزلية حسّية تخدش الحياء، فوصف أحوال الغرام بتفاصيلها.

§       الهجاء في أشعاره كان واضحاً، فقد كان يستخدمه كسلاح ذي حدَّين.

 

مات بشار بن برد مقتولاً في زمن الخليفة المهدي، إذ جاء يوم وكان بشار فيه سكران فاندفع يؤذن قبل موعد الصلاة، فغضب المهدي من ذلك وأمر بضربه بالسوط، فضُرب سبعين مرة حتى مات، ودُفن في البصرة، سنة168هـ.

Tuesday, December 6, 2022

الشعر ديوان العرب

الشعر ديوان العرب

وهذا يعني ان الشعر  يسجل كل ما يتعلق بالعرب من عادات وتاريخ. إن الشعر في العصر الجاهلي يتضمن تصوير الحياة العربية بما فيها بيئتهم وظروفهم وأحوالهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

فالشعر الجاهلي قد غطى جميع جوانب الشعر الغنائي، فقد قال الشعراء الجاهليون في جميع أنواع العواطف الإنسانية المختلفة، واستطاعوا أن يصوروا النفس البشرية وانفعالاتها في جميع الحالات، مما يدل على قوة الإحساس، ورقة الشعور. فيتبين من مضمون الشعر الجاهلي أنه حافل بالحديث عن أحوالهم وعاداتهم وأخلاقهم. ولذلك جاء القول المأثور: "الشعر ديوان العرب". والحق أنه سجل خالد لهؤلاء القوم، تتجلى فيه بوضوح مظاهر الحياة، والبيئة في ذلك العصر.

ففيه نرى البيئة الصحراوية، تصويرًا حقيقيًّا، فسماؤها الصافية، ترسل أشعتها القوية على رمال الصحراء، فتبدو كأنها الذهب النضار، ويسطع قمرها، وتتلألأ نجومها، في ليل هادئ جميل، حلو قصير على المرح الطروب، ممل طويل على المهموم الحزين، وأرضها قاحلة جرداء، يقل فيها الماء والنبات، فإن وجدا في مكان، كان روضة تسر الناظرين، غدير الماء قطعة من الجنة، ومزادة الماء كلها حياة.

وفيه نرى الأودية، والجبال، والهضاب، يتسلقها البدو، وينحدرون إلى المنخفضات في صبر وجلد، كل هذا في سبيل الحياة، والبحث عن أسباب الرزق، يتعثرون بالحجارة الصلبة،  ويصطدمون بالصخر والجندل، وتغوص أقدامهم في الرمال، ونرى الطرق المطروقة، والسبل الملتوية، يضل عنها من لا خبرة له بها، ثم يلمح نار الكرم تناديه، أو ترشده وتهديه. 

ونرى الفلاة أحيانًا يشتد بها الحر، فيكاد يذيب دماغ الضب، ويشتد البرد، وكان الزمهرير وتساقط الثلج، وإن جادت السماء، نزل الغيث، وجاء الخير، فانتشر الكلأ، وعلا الوجوه البشر، فيتسابق الناس إليه، وترى القبائل تتحرك مسرعة نحو الكلأ والعشب، وقد تضطر الظروف بعضها للنزوح عن مكانها، فتترك ديارها، وتبقى الرسوم والأطلال، مصدر اللوعة والحزن للصب، ومثار البكاء والدموع للمحب المتيم، بما توحيه من ذكريات لا تنسى. 

وفيه نرى من ظواهر الطبيعة الصامتة، مسرى النسيم العليل رخاء، وهبوب الريح عاصفة، وتراكم السحب، ترعد وتبرق، ونزول الأمطار، طلا ووابلًا، ومجرى الماء، عذبًا سلسبيلًا، هادئًا خفيفًا، أو جارفًا عنيفًا... ومنابع العيون غائرة سحيقة، تفيض في سحر ودلال. أو تجمعت في غدير، تداعب الرياح صفحته، فتقسمه طرائق تتراقص في رشاقة وجمال. 

وبجانب صورة الطبيعة الصامتة، نرى في الشعر صور الحياة المتحركة، فنشاهد فيه ما في الصحراء من حيوان وطيور وحشرات: فنرى فيه الإبل تروح وتجيء، بين إمهال وإسراع، وجري، وإرقال، في السلم، وفي الحرب، وهي وسيلة لمواصلاتهم، وأداة لتنقلاتهم، ومصدر من مصادر الرزق والحياة، فتحمل أثقالهم إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وتفيض عليهم بالخير من لبن وشعر، فيشربون لبنها، ويتخذون من أوبارها ملابسهم يتقون بها الحر والبرد، وأثاث بيوتهم حيث يجدون الراحة والهدوء، فإذا ما عز القوت، ضحت بنفسها، فتقدم لحومها غذاءً شهيًّا لهم، فتحفظ عليهم حياتهم حية وميتة.

وفيه نرى صورًا واضحة للفرس، وسيلة للصيد، تلك الرياضة المحببة، فتجلب الخير، وتوفر لهم وجبات شهية لذيذة، فإذا خيم الفزع وادلهم الخطر، كانت لهم الحصن المتين، فبها يقابلون الأعداء، ويقتلون المعتدين، ويلاقون الأبطال، ويهزمون الصناديد، فتدفع عنهم الكيد، وتفرج الكرب، وتحمي الشرف، وتعلي المنزلة، وتجلب الثراء والخير. ولأهمية الإبل والخيل في حياة العربي، عني بهما عناية تامة، وكان لهما أبلغ الأثر في إحساسه ومشاعره، فأجاد في وصفها إجادة تامة، وأبدع في صورهما الشعرية أيما إبداع، حتى جاءت أوصافهما كاملة تامة الأجزاء من جميع النواحي. 

كما نرى في الشعر صور النعام، والظليم، والظبي، والغزال، والأسد، والضبع، والذئب، والوعل، والبقر، والثور، والأتان، والضب، والغنم، والعنز، والكلب، والصقر، والعقاب، والغراب، والحمام، والقطا، والجراد، والحية، والعقرب، والنمل، والذر، وغير ذلك من الحيوانات التي تمرح في جو الصحراء الواسع الفسيح. 

فإذا ما جاء الشعر إلى أولى ملهمات الشعر التي تفيض بالحياة والحيوية، وهي المرأة، نرى الشاعر الجاهلي يجيد في تصوير ما حباها الله به من جمال طبيعي، فتبدوا كأنها آلهة الجمال، أو أنها الجمال في تمثال. 

ولئن بحثنا عن صور الحياة في الشعر الجاهلي فسوف نجدها واضحة جلية فيه، فالجاهليون كما يبدو في شعرهم، يعتزون بأنفسهم، ويشمخون بأنوفهم، يحمون الحمى، ويحفظون العرض والشرف، ويتباهون بالحفاظ على حقوق الجار، وإكرام الضيف، وإغاثة الملهوف، وإجابة الداعي، ويتفاخرون بالقوة والغلبة، وكثرة العَدد والعدد، فإذا ما ثارت نفوسهم -وكانوا سرعان ما يثورون- قامت الحرب، واشتعلت النيران، فتتجمع الجيوش، وتتلاحم الصفوف، وتدور رحى المعارك، وتتوالى الطعنات والضربات، فترى القتلى صرعى، والأرض مخضبة بالدماء، والجرحى يئنون، والأسرى في الأغلال، والسبايا يسقن في ذل وهوان، وتصبح النفوس الموتورة متأججة، والحقد قد تمكن في النفوس، والغيظ يكاد يقطع نياط القلوب، والأخذ بالثأر يعمي الأبصار، ويحيل الحياة ظلامًا، الهم يزداد، والألم يشتد لحظة بعد لحظة، وكل قد غفل عن نفسه، وأهمل شئونه، فلا يهتم بمظهره، وقد آلى على نفسه ألا يغتسل ولا يتنظف حتى تكف الهامة عن الصياح، وهكذا تقود المعركة إلى معارك، فتشاهدهم في نزاع مستمر، وعراك دائم، ولا يكفون عن الاستعداد للخطر على الدوام، فهم دائمًا على أتم الاستعداد لملاقاة الأخطار، الأسلحة تهيأ وتعد، والرماح تبرق، والسيوف تلمع، والقسي مشدودة، والسهام تملأ الكنائن. وفي المعركة يظهر الفرسان، والأبطال، الطعن شديد، والضارب عنيف، والدروع تحمي الصدور، والبيض تلمع فوق الرءوس، وميدان المعركة فوقه سحب من الغبار، وتظله العقبان، وعصائب الطير تهتدي بعصائب متجهة نحوه، وقد نرى بعد ذلك صور الساعين في فداء الأسرى، والمتطوعين للصلح بين المحاربين. 

كما أنه يرينا صورة للنزاع بين العشيرة الواحدة، وفيها التأثر الشديد بادٍ على وجوه القوم، إذ إن ذلك لا يعني إلا إهلاك العشيرة نفسها بنفسها، وتخريب بيوتها بأيديها، وهنا نرى قلوبهم تدمى حزنًا على ذويهم الذين تسيل دماؤهم على أسنة رماحهم، وظبات سيوفهم.

فإذا ما نحينا هذه الصورة الدامية جانبًا، رأينا في الشعر الجاهلي صورًا لأوقات الهدوء والدعة، وساعات الطمأنينة والأمن، فترى صور القوم يخرجون للصيد، على خيل كلها قوة ونشاط، ومعهم أدوات الصيد من عدد وحيوان، ثم يعودون ممتلئي الوفاض، هاشين باشين، بما غنموا من سمين الصيد ولذيذ الطعام. 

كما يرينا القوم في مجتمعاتهم الخاصة والعامة، يتبادلون الآراء في الصالح العام، ويتشاورون فيما يهمهم من قضايا ومشكلات، أو يتسابقون في ميادين الفصاحة والبيان، أو يتحاكمون إلى ذوي العقل الحكمة، أو يتسامرون في أمسياتهم بالقصص والأخبار، أو يتجاذبون أطراف الحديث في الطرائف والملح والنوادر والآثار، أو يلهون في منتدياتهم باللعب واليسر، أو ينتشون بشراب الخمر واحتساء الأقداح، أو يرفهون عن أنفسهم بأنواع الطرب والغناء، وغير ذلك مما يسري الهم، ويبعث فيهم الراحة والإحساس بالجمال ومتعة الحياة.

هذا عدا الصور الرائعة التي نرى فيها القبيلة في مجتمعها ملتفة حول رئيسهم يتباحثون في شتى نواحي القبيلة السياسية والاجتماعية، أو يستمعون إلى كبيرهم، يبصرهم بالحياة، ويفيدهم من تجاربه، أو من معلوماته وثقافته، التي ألم بها عن طريق عقله الواسع، وإدراكه القوي، ونظره البعيد. 

وإذا اتجهنا نحو الشعر الجاهلي لنرى كيف صور المثل العليا للعرب، نجد فيه صورًا واضحة لحبهم للإغاثة. والنجدة، والإسراع إلى إجابة الداعي، وتعظيمهم للوفاء، والقيام بما تقتضيه المعاهدات من واجبات والتزامات، وإعجابهم بالصمود أمام الخطر، وملاقاة الأعداء في رباطة جأش، وحماية اللاجئ، ورعاية حق الجار، والمحافظة على أهله وشرفه وبيته، وإكرام الضيف، وهداية الضال، والإيثار حين ترغم الشدائد الناس على الأثرة. والشعر الجاهلي يصور فقر الصحراء المدقع في كثرة الغارات والحروب طمعًا في الغنائم وفي  أشعار الصعاليك، وفي الإكثار من الفخر والمدح بالجود والكرم والإسراف في الإنفاق وفي إشراك الفقراء في أموال الأغنياء.  كما أن فيه إشارات إلى معتقداتهم وشعائرهم الدينية، واتصالاتهم الداخلية والخارجية.

فالشعر الجاهلي بهذا الذي بيناه فيما سبق يعتبر مصدرًا أساسيًّا لتصوير حياة العرب الجاهليين ولذلك جاء القول المأثور: "الشعر ديوان العرب".

         

 


Friday, December 2, 2022

أبو العلاء المعري (363 - 449 هـ)

 

أبو العلاء المعري (363 - 449 هـ)

هو أحمد بن عبد الله التنوخي المعري،  شاعر وفيلسوف. ولد ومات في معرة النعمان. أصيب بالجدري صغيراً فعمى في السنة الرابعة من عمره. وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. ورحل إلى بغداد سنة 398 هـ فأقام بها سنة وسبعة أشهر. بعدما رجع من بغداد لازم بيته، ولذا اشتهر بِرَهِين المَحبَسَين ( العمي والبيت). وكان لا يأكل اللحم وكان يلبس خشن الثياب.

يعتبر المعرّي من أعظم فحول الشعر، وهو من الشخصيّات الفذّة والمتميزة في الأدب العربي؛ شكلّ انقلاباً على التقاليد الثقافية التي كانت سائدة في عصره، وكان مَنْ وضع هذه التقاليد ورسخها من سبقه من شعراء وأدباء العرب؛ فجاءت أشعاره تعبيراً عن تجاربه الخاصة، ومشاهداته في الحياة، وتأملاته في الوجود، وكان لهذه الأشعار دورٌ هام في رفعة شأن الأدب في الوقت الذي عمّ فيه الجهل.

أما شعره وهو ديوان حكمته وفلسفته، فثلاثة أقسام: (لزوم ما لا يلزم) ويعرف باللزوميات، و (سقط الزند) و (ضوء السقط) وقد ترجم كثير من شعره إلى غير العربية. وله رسائل باسم رسالة الغفران، توفي الشاعر عن عمر يناهز الثلاثة والثمانين عاما في سنة 449 هـ.

ومن شعره :

ولما رأيتُ الجهلَ في الناسِ فاشياً  =  تجاهلْتُ حتى ظُنَّ أنّيَ جاهل

فوا عَجَبا كم يدّعي الفضْل ناقصٌ   =  ووا أسَفا كم يُظْهِرُ النّقصَ فاضل

 

 

 

سهيل بن عمرو ( --- - 18 هـ)

سهيل بن عمرو  ( ---  - 18 هـ)

هو أبو يزيد سهيل بن عمرو القرشي خطيب قريش وفصيحهم، أحد أشرافهم في قبل الإسلام. قاتل سهيل بن عمرو في صفوف قريش في غزوة بدر، وتعرض للأسر ثم افتُدي. ولما همّ النبي محمد ص أن يعتمر سنة 6 هـ، منعته قريش من أداء العمرة، وابتعثوا سهيلاً للإتفاق مع النبي محمد على شروط الصلح. 

ولما أقبل المسلمون يفتحون مكة، خشي سهيل على نفسه القتل، وأرسل إلى ابنه عبد الله بن سهيل ليستأمن له من النبي محمد، فأمّنه، وأسلم يومها سهيل، فصار صحابيا. خرج سهيل بعد ذلك مع المسلمين إلى حُنين، وأعطاه النبي محمد يومها مائة من الإبل من غنائم الغزوة في المؤلفة قلوبهم.

بعد وفاة النبي محمد سنة 11 هـ، اضطربت شبه الجزيرة العربية، وعمّت الفوضى أرجائها، وارتدّ الكثيرون عن دين الإسلام، حتى أن عتاب بن أسيد والي النبي محمد على مكة اختفى خوفًا على حياته، فقام  سهيل بن عمرو وخطب في أهل مكة خطبة بليغة فثبتت قريش على الإسلام، وعاد عتاب بن أسيد.

  ومع بداية الفتوح، خرج سهيل بن عمرو بأهله جميعهم إلا ابنته هند للمشاركة في الفتح الإسلامي للشام، وكان يوم اليرموك قائدًا لأحد كتائب المسلمين في المعركة. ولم يزل سهيل بن عمرو بالشام حتى مات في طاعون سنة 18 هـ. 

قس بن ساعدة الايادي

 

قس بن ساعدة الايادي

وهو أحد حكماء العرب وواحد من أشهر الخطباء على مر التاريخ العربي. أنه كان من قدماء الحنفاء الذي ظهروا في بداية انحراف العرب عن دين أبيهم إبراهيم، فكان يدعوهم ليعودوا إلى الطريق الصحيح ملة إبراهيم عليه السلام، ويسعى ليحارب ما ظهر فيهم من بدع وضلالات. وقد نبغ في قومه بفصاحة لسانه فصار أحد حكماء العرب وواحداً من أهم خطبائهم، ويقال إنه كان يعرف النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل بعثته ويقول: "إن لله ديناً خير من الدين الذي أنتم عليه"، كما يُروى أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قد دعا له وقال: إنه يحشر يوم القيامة أمة واحدة.

خصائص خطبه:

§       أدخل قس بن ساعدة تغييرات على الخطب المتعارف عليها فكان لخطبته خصائص تختلف عن باقي الخطب سواء من ناحية أسلوب الإلقاء.

§       الاستهلال والختام، حيث عرف عن قس بن ساعدة أنه أول من استخدم لفظ: أما بعد في خطبه.

§       الطول والقصر، حيث كان من عادة العرب أن يقوم كلامهم على مبدأ ما قل ودل، لكنهم كانوا يطيلون في الخطب ليسمع عنهم ويفهم منهم، وهذا كان حال الخطبة عند قس بن ساعدة كذلك، وكان كغيره كذلك يورد الحكم والأمثال.

§       ولم يصل إلينا من خطب بن ساعدة نماذج كثيرة لكن الملحوظ من النماذج التي وصلت أنه اعتنى بالموضوعات الدينية أكثر من غيره، فكانت خطبه بمثابة كلمات دعوية إلى التزام الطريق المستقيم والبعد عن طرق الضلالة، وإلى التحلي بمكارم الأخلاق ونبذ ما دونها، وإشادة بالكرم والمروءة والشجاعة وغيرها مما تشيد به العرب في شعرها وحياتها.

ومن خطبته التي قالها في سوق عكاظ : "أيها الناس، اسمعوا وعوا، فإذا وعيتم فانتفعوا، إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت إن في السماء لخبرا وإن في الأرض لعبرا، جهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تمور، وبحار لن تغور، ليل داج، وسماء ذات أبراج، أقسم قس قسما حتما، لئن كان في الأرض رضي ليكونن بعده سخطا، وإن لله دينا هو أحب إليه من دينكم".