Wednesday, August 2, 2017

الشرح والتحليل لقصيدة ‘أضحى التنائي بديلا من تدانينا ’



الشرح والتحليل لقصيدة   ‘أضحى التنائي بديلا من تدانينا ’

الفكرة العامة: وفاء الشاعر في حبه لولادة.
يكاد الشاعر في هذه الأبيات، يذوب أسى وألما على فراق محمبوبته ولادة بن المستكفي، ويتحرق شوقا إليها وإلى الأوقات الصافية الماتعة التي أتيحت له معها. وفي ظلال هذه العاطفة المتأججة الملتهبة، أنشأ هذه القصيدة النابضة بالحياة المترجمة عما في صدره من مكنون الحب والوفاء العجيبين.
الفكرة الأولى: وصف للحاضر الأليم، وتألم على الماضي الجميل، ويعبر عن كل ذلك من خلال أبيات تقطر وفاء وحبًا وتجلدًا.
1.             أضحى التنائي بديلاً من َتدانينا *** ونابَ عن طيبِ ُلقيانا تجافينا
وهنا يستهل الشاعر قصيدته بالتوجع والتحسر على ما صارت إليه حاله فقد تغيرت من قرب بينه وبين محبوبته إلى بعد ونأي يتزايد مع الأيام. لقد تحول القرب بعدا وصار اللقاء جفاء وهو أمر يشقيه ويعذبه كما نجد الشاعر قد استخدم ألفاظا جزلة في التعبير عن مدى وطول البعد وقوة الشوق حيث استخدم ألفاظ ذات حروف ممدودة يمتد فيها النَفَسُ ليعبر عن ألمه ونجد ذلك في جميع ألفاظ البيت الأول. فهو يقول إن التباعد المؤلم بينه وبين محبوبه أضحى هو السائد بعد القرب الذي كان وحل مكان اللقاء والوصل الجفاء والهجر.
2.      ألاّ وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ، صَبّحَنا*** حَيْنٌ، فَقَامَ بِنَا للحَيْنِ نَاعيِنَا
متابعة للفكرة التي تسيطر على هذه المجموعة من الأبيات، والتي يتحدث الشاعر من خلالها عن مدى الحرقة، والألم اللذين أصاباه في مقتل، حتى أوشك على الهلاك. ولعل الشاعر قد وفق في توظبف الألفاظ الدالة والمعبرة عن تجربته الحزينة، حيتما استخدم ألفاظًا تعضد تلك التجربة الصادقة مثل: البين، والحين، ولعل مما ساعد على تأجيج تلك العاطفة، توظيفه للغة توظيفا غير مباشر، وغير حقيقي، عندما اضاف الصبح للبين، مع ما بين المفردتين من مفارقات، فالصبح رمز التفاؤل، والأمل، تحول عند شاعرنا إلى معادل للفناء، والموت.
3.      مَنْ مبلغُ الملبسِينا، بانتزاحِهمُ*** حُزْنـاً، معَ الدهرِ لا يبلى ويُبْلينَا
4.      أن الزمان الذي ما زال يضحكنا*** أنــسا بقربهـم قـد عـاد يبكينا.
لا شك أن التعبير غير المباشر عن التجربة الشعرية يزيدها بريقًا، والقًا، لذا نرى الشاعر في البيت السابق يوظف الاستفهام لغير ما وضع له في الحقيقة، وذلك إظهار بغرض التوجع والتحسر والألم الذي حل به، ومما يدل على شدة معاناته انه راح يطلب من أي أحد أن يبلغ أولئك الذين ألبسوه هذا الثوب؛ ثوب الحزن الدائم، المتجدد وابتعدوا عنه(ويقصد هنا الواشين الذين فرقوا بينه وبين محبوبته) أن هذا الحزن ملازم له لا يفارقه حتى يهلك، وأن ضحكه قد تحول إلى بكاء دائم، و أن الزمان الجميل السابق والذي ملأ حياتنا أنسا، وحبورا، وسرورًا.. قد تحول، وتبدل.. فهو اليوم يبكينا، ويحزننا، وكأننا به وقد وصل به الضعف درجة يستعطف أولئك الشانئين أن يرقوا لحاله، وحال محبوبته وأن يتركوهما وشأنهما.
5- غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا***بأن نغص فقال الدهر: آمينا
ويستمر الشاعر في إرسال رسائله إلى محبوبته وإلى مستمعيه.. فيقول: بأن عذاله قد حنقوا عليه وعلى محبوبته لما بينهما من صفاء، وود، ومحبة، وأن الدهر قد استجاب لدعائهم وحقق لهم ما أرادوا من وقيعة بينهما فأصابهما الحزن والألم.

6-
فَانحَلّ ما كانَ مَعقُوداً بأَنْفُسِنَا*** وَانْبَتّ ما كانَ مَوْصُولاً بأيْدِينَا
7-
وَقَدْ نَكُونُ، وَمَا يُخشَى تَفَرّقُنا*** فاليومَ نحنُ، ومَا يُرْجى تَلاقينَا
من الواضح أن هناك ترابطًا بين البيت السادس، وبين البيت الخامس، بحيث صار البيت السادس نتيجة طبيعية لكيد العدا، والعذال الذين ساءهم ما كان عليه الحبيبان من وفاق، وصفاء، ومودة..، فكان نتيجة ذلك كله أن تفرقنا، وتباعدنا، وانفرط عقد محبتنا، وما كان بيننا من وئام، واتفاق، حيث لم يكن يخطر ببال أحد منا أن يأتي هذا اليوم الحزين، الذي نفترق فيه فراقًا لا يرجى من ورائه لقاء، أو وصال.
8- يـا ليتَ شعرِي ولم نُعتِبْ أعاديَكم***هَـلْ نَـالَ حَظّاً منَ العُتبَى أعادينَا
9- لـم نعتقدْ بعدكـمْ إلاّ الوفـاء لكُـمْ*** رَأيـاً، ولَـمْ نَـتَـقـلّدْ غَيـرَهُ دِينَا
وفي لهجة المحب المنكسر.. والعاشق الواله، الذي يكتم الحسرات غصصا في قلبه يخاطب الشاعر، بل يعاتب، مستخدمًا أسلوب النداء وحذف المنادى، لأنه علم ومعروف، وليس بحاجة إلى تعريف.. فهل نال العدا من الرضا، مثلما نلنا من الهجران؟!، فكيف يتم ذلك؟!! ونحن الأوفياء، ونحن المخلصون على الرغم من هذا النأي، فليس لأحد أن يملأ هذا الفراغ الحاصل في قلبي سواكم.

10- مـا حـقّنا أن تُقِرّوا عينَ ذي حَسَدٍ*** بِـنـا، ولا أن تَسُرّوا كاشِحا فِينَا
11- كُـنّـا نرَى اليَأسَ تُسْلِينا عَوَارِضُه*** وَقَـدْ يَـئِـسْـنَا فَمَا لليأسِ يُغْرِينَا
ولايزال شاعرنا يعيش تحت تأثير العتاب العفيف، الخفيف، فأنى لشاعر مثل ابن زيدون أن يكون قاسيًا على محبوبه، فعلى الرغم من الصد ومن الهجران.. فلم يشعر يومًا بأنه ارتكب جرمًا يستحق كل هذا العذاب، وهذا النأي، فَيُقَرَّبُ الحسود وتقر عينه، ويسر الشانئ المبغض، ويشمت بهما!! وقد وصل به الأمر حدا صار اليأس سلواه التي يسري به عن نفسه، حتى استحكم اليأس من قلبه.
12- بنْتُمْ وبنّا فما ابتلّتْ جوانحُنا *** شوقاً إليكمْ ولا جفّتْ مآقينا
وهنا يفصح الشاعر عما يكنه من وفاء، وإخلاص لولادة ويبثها آلآمه ولوعته فقد ابتعدتم عنا وابتعدنا عنكم، ونتيجة هذا البعد فقد جفت ضلوعنا وما تحوى من قلب وغيره، واحترقت قلوبنا بنار البعد في الوقت الذي ظلت فيه (مآقينا: جمع مؤق وهو مجرى العين من الدمع، وجانبها من جهة الأنف) عيوننا تذرف الدمع من تواصل البكاء لأنه مشتاق محروم فلا أقل من أن يخفف همه بالبكاء ويسلي نفسه بالدموع.
13- نَكادُ حينَ تُناجيكمْ ضمائرُنا *** يَقْضي علينا الأسى لولا تأسّينا
ويستمر الشاعر في وصف الصورة الحزينة القاتمة فيقول: يكاد الشوق إليكم يودي بحياتنا لولا التصبر والتسلي، والأمل في اللقاء، حينما تعود به الذكرى على الأيام الخوالي، فيتصور الجمال والفتنة والحب والبهجة والأمل والسعادة، ويهتف ضميره باسمها، ويناجيها على البعد، لأنها قرينة روحه، وصنو نفسه، حينما يعيش أبعاد التجربة العذبة المؤلمة، ويوازن بين ما كان عليه وما صار إليه تقرب روحه أن تفارق جسده بسبب الحزن المفرط الذي يملأ جوانحه، لولا أنه يمني نفسه بالأمل، ويعزي روحه عن المحنة بالتصبر.

14-
حالتْ لفقدِكمُ أيامُنا فغدتْ*** سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا
وإمعانا في تجسيد معاناة الشاعر يقول: لقد تبدلت الحياة الوادعة الهانئة الجميلة، وأظلمت الدنيا المشرقة الباسمة المضيئة، فجللها السواد وعمها الظلام ببعد ولادة.

15-
إذْ جانبُ العيشِ َطلْقٌ من تألّفنا**** ومربعُ اللّهوِ صافٍ منْ تصافينا
ويبدو الترابط بين الأبيات واضحًا، وما ذاك إلا لأن بعضها قد ترتب على بعض، وصار بعضها يكمل بعضها الآخر ويترتب عليه في المعنى، ففي هذا البيت يتذكر أيامه الهانئة مع محبوبته حيث كانت الحياة صافية متفتحة، وحيث كانا يجنيان ثمار الحب ما يشاءان، ومتى يشاءان، فهو يقول أن عيشنا الماضي كان طلقًا (مشرقًا) من شدة الألفة بيننا، وقوة الترابط، حيث اللهو، والسمر فيما بينهما، لا يعكر هذه الأجواء الوادعة حزن، ولا هم، ولا شقاق، ولا خلاف، ولهذا فهو صاف مثل المورد العذب الجميل، من شدة التتصافي، وخلو المودة مما يكدرها.
16- وَإذْ هَـصَـرْنَـا فُنُونَ الوَصْلِ دانية*** قِـطَـافُـهـا، فَجَنَيْنَا مِنْهُ ما شِينَا
واستكمالا للوحة الذكريات الجميلة الفاتنة، يستحضر الشاعر تلك المشاهد الرائعة التي عاشها مع ولادة: فقد كنا نستميل أصناف الوداد، والحب، والوصال المتنوعة، فنقطف منها ما نشاء.
الصور البيانية: ولعل هذا البيت قد اشتمل على صورة من أجمل صور الوداد حين شبه لنا الشاعر أصناف الوصل، والحب، والوداد بالأعناب الدانية القطاف، أو الثمار الدانية القطاف والتي في متناول اليد، والتي يتناول منها المرء ما يشاء، ومتى شاء، ولا إخالها إلا صورة جميلة مستوحاة من جمال الطبيعة الأندلسية الفاتنة
17- ليُسقَ عهدُكم عهدُ السرورِ فما*** كنتمْ لأرواحِنا إلاّ ريحانا
ويحلق الشاعر في عالم من الخيال، ويطوف به طائف من الذكرى الحلوة، فيدعو لعهد الوفاء بينهما بالحياة، والتجدد، والنماء... لأنه عاش فيه وصفت روحه به، وتلقى من محبوبته مشاعل الأمل وحب الحياة.. وهو دعاء يكشف عن الحنين إلى العهد الماضي، وعن جمال الذكرى، وإذا كان الفراق يغير المحبين، ويجعلهم ينسون حبات قلوبهم فلن يستطيع أن ينسى الشاعر هواه، بل يزيده البعد وفاء وإخلاصا، فما زالت أمانيه متعلقة بولادة وهواه مقصورا عليها فقد كانت الرياحين لروحه وما زالت كذلك.
18- لا تَـحْـسَـبُوا نَأيَكُمْ عَنّا يغيّرُنا*** أنْ طـالَـمـا غَـيّرَ النّأيُ المُحِبّينَا!
وفي محاولة من الشاعر لاسترضاء محبوبته، واستدرار عطفها، يرسم لنفسه صورة مثالية، ووضيئة، فهو من طينة ليست كطينة باقي المحبين، الذين يغيرهم البعد، فعلى الرغم مما حصل بينهما إلا أنه ما يزال نحافظًا على حبال الود، والوصل.
19- واللهِ ما طلبت أرواحُنا بدلاً**** منكمْ ولا انصرفتْ عنكمْ أمانينا

وزيادة في حب الوصال، راح الشاعر يرسل رسائل الطمأنة لمحبوبته، فهو يقسم لها بالله بأن قلبه لن يتعلق بغيرها ولم تتحول أمانيه عن حبها، ولقد كان اختيار الشاعر لكلمة (أرواحنا) موفقا إلى حد كبير، حيث ذكرت إحدى الروايات كلمة (أهواؤنا) بدل (أرواحنا)، على ما بينهما من فوارق بين الأرواح، والأهواء.
20- يا سارِيَ البَرْقِ غادِ القصرَ وَاسقِ به *** مَن كانَ صِرْف الهَوى وَالوُدَّ يَسقينَا
21- وَيَـا نسيــمَ الصَّبَـا بلّغْ تحيّتَنَا*** مَـنْ لَـوْ على البُعْدِ حَيّا كان يحيِينا
ولا شك أن الشاعر هنا يريد أن يشرك عناصر البيئة، أو الطبيعة في الوساطة بينه وبين ولادة من جهة، ومن جهة أخرى حيث راح يستعين بها لتحمل معه ثقيل أعبائه، فلعلها تقف بجانبه، وتخفف عنه من آلامه في وحدته، وغربته التي يعاني منها، والوقوف بجانبه، وفي مظهر حقيقي من مظاهر الود، والوفاء، والإخلاص راح الشاعر يستسقي المطر في ترفق ورجاء، ويطلب منه أن يبكر في إرواء قصر محبوبته بماء المطر العذب الصافي، لأنها كثيرا ما سقته الهوى خالصا نقيا من الخداع والزيف، ولا يكتفي الشاعر بالمطر.. بل راح يقصد نسيم الصبا لينقل تحياته إلى محبوبته التي لو ردت عليه التحية فإنها ستمنحه الحياة، وتبعث فيه الأمل.
22- وَاسألْ هُنالِكَ:هَلْ عَنّى تَذكُّرُنا*** إلفاً ، تذكُّرُهُ أمسَى يعنّينَا
واستكمالاً لمشهد الشوق والحنين، يحمل الشاعر مظاهر الطبيعة (نسيم الصبا) أمانة السؤال، والتقصي داخل القصر، أن كان بعده عنهم قد ترك أي أثر على محبوبته أم لا؟! ثم يبادر معبرًا عن مكنون صدره، وعن مرهف مشاعره، ورقيق إحساسه..الذي راح تذكره لها يسبب له الأرق، والمعاناة، والألم. ولعل اتكاء الشاعر على الاستعانة بمظاهر الطبيعة يوحي بانعدام، أو عدم جدوى المساطات بينه وبينها، مما اضطره للجوء لوساطات أخرى، يفرغ من خلالها شحنات عواطفه الجياشة، لعلها تهدئ من روعه، وتسكن من لظى حبه.
نظرات نقدية
أولاً: اللغة:
 الشاعر الجيد هو الذي يستطيع أن يتجاوز من خلال ألفاظه، وتراكيبه الإيحائية، وغير المباشرة.. قصور اللغة، وجمودها في تراكيبها العادية، والمعجمية، وذلك من خلال استغلال الطاقات الكامنة فيها، وأن يشحن لغته بالصور، والموسيقى، حيث أن دور اللغة لا يقتصر على كونها وسيلة من وسائل التعبير فقط، بل إنها تحتوي على خاصية جمالية فريدة، وقدرة فائقة في إثارة أحاسيس، ومشاعر القراء، ونقلهم إلى أجواء وعوالم نفسية جديدة.. وذلك فيما يعرف بالموسيقى الناتجة عن تآلف، وتآزر الألفاظ، والتراكيب ومن خلال قدرة الشاعر وتمكنه من تقنيات التقديم، والتأخير، والذكر، والحذف، وتوظيف الأساليب المختلفة من استفهام، وتعجب، وتمنٍ، وأمر...وغير ذلك من الأساليب التي يخرجها الشاعر عن حالتها الحقيقية المباشرة، إلى معان أخرى مجازية تزيد اللغة تألقًا، وإشعاعًا، وإيحائية، وقد وقفنا على جانب كبير من خلال تلك الصور البيانية، والأساليب المختلفة التي سلَّطنا عليها بعض الضوء في هذه الدراسة.
ثانيًا: الألفاظ
تعتبر الألفاظ المقوم الأساس الذي يقوم عليه الشعر قديمًا وحديثًا، فإن كانت المعاني هي روح الشعر، وموضوعه، فإن الألفاظ بمثابة الجسد للروح، وكما يقول الجاحظ فإن المعاني مطروحة في الطريق، فالموضوع لم يكن في يوم من الأيام هو الشعرية، إنما كيف تنتج الموضوع؟ وكيف تقول ما تقول؟ (أي بالألفاظ) فهذا هو الشعر، لذا فإن أهم عنصر في العمل هو القدرة على التشكيل.. أي صب المادة الخام (المعاني) في قالب (الشكل، أو اللفظ)، وذلك ما يعنيه الجاحظ بقوله: "إن المعاني مطروحة في الطريق"، ولكن المهم الصياغة الفنية، من خلال التشكيل اللفظي لتلك المعاني.
بالنظر إلى ألفاظ الشاعر في هذه القصيدة، نرى أنها تتسم بالرقة، والعذوبة، والوضوح، ولعل الموضوع الذي عالجه الشاعر (الغزل) يقتضي مثل هذه الألفاظ الشاعرية، التي يذوب الشاعر من خلالها في محبوبه، الشيء، الذي لا يعطي له مساحة كبيرة من الخيارات اللغوية، أو ليس عنده الوقت الكافي الذي يسمح له بانتقاء ألفاظه، بحيث تبدو غليظة، جافة، أو تحتاج لمعرفتها إلى اللجوء إلى المعاجم، والقواميس، ولهذا وجدنا الألفاظ قد فُصِّلت على قد المعاني دون كد للعقل، أو إجهاد للفكر.
ومن هذه الألفاظ: التنائي، والتداني، لقيانا، تجافينا وهي ألفاظ تتطابق وتتناسب مع موضوع الغزل الذي لا يخلو من نأي أحيانا، وتقارب أحيانا أخرى، لقاءات السحر والجمال تارة، ثم قد يتبعها الجفاء..وهكذا هي حال المحبين، والعشاق.
ثالثًا:
العاطفة هذا ولا يمكن لدارس الأدب أن يغفل هذا العنصر أثناء تحليله لأي نص أدبي؛ شعرًا كان أم نثرًا، لما لهذا العنصر من سحر يلامس شغاف قلب القارئ، ويمسه مسه شفيفًا، لطيفًا، يستطيع من خلاله أن يكتشف مدى تأثر الشاعر بحقيقة تجربته قوة، وضعفًا، وبالتالي.. فإن الأعمال العظيمة الذي ندين لها بالفضل، هي التي تقول ما كنت تود قوله، وهي التي تجعلنا نرى أشياء لم نرها من قبل أبدًا، أو رأيناه بعين مضطربة عاشية، ولن يتم ذلك إلا من خلال العاطفة الصادقة، والتي هي عبارة عن تضافر، وتفاعل مجموعة من مقومات النص التي لا يمكن لنا أن نفصل بعضها عن بعضها الآخر، ومنها: اللغة بألفاظها، وتراكيبها، وأساليبها، وصورها، وما ينتج عن ذلك كله من صور وخيال، والتي يستطيع الشاعر من خلالها أن يشرك القارئ في تجربته الخاصة، وأن يتفاعل معها وكأنه يعيش التجربة ذاتها، فإن استطاع الشاعر أن يصل بالقارئ إلى هذا المستوى من التأثير، والتأثر فقد نجح في تقديم نفسه وتقديم تجربته للآخرين، لأنه في هذه الحال يقدم تجربة إنسانية عامة، ولكن انطلاقًا من تجربته الخاصة.
رابعًا:
 الأساليب لاشك أن البيان، والتعبير يأخذ أشكالا كثيرة، ومتعددة، فقد يمكن أن يعبر الإنسان من خلال الإشارة، أو الإيماءة، أو الحركة، أو الكلمة، أو الصورة، أو التمثال (النحت) وغير ذلك من صور التعبير، فقد يظهر الرسام عواطفه من خلال اللوحة, وقد يظهر النحات عواطفه من خلال نحته، أما الأديب، الفنان فهو رسام يرسم بالكلمات، والكلمة هي المداد الذي يجسد من خلاله مشاعره، وأحاسيسه، و وجداناته، وعواطفه، واللغة هي مجموع المفردات، والتراكيب .. وينبغي أن تكون لغة الأدب مأنوسة أليفة, على علوها وشرفها بأن تكون لغته وسطاً بين لغة المتقعرين من الخاصة، ولغة العامة الركيكة. يقول أبو هلال العسكري " وأما المختار من الكلام فهو الذي تعرفه العامة إذا سمعته ولا تستعمله في محاوراتها"، "فخَيْر الكلام ما كان معناه إلى قلبك أسبق من لفظه إلى سمعك" ولا يكون الكلام كذلك حتى يكون الأديب على قدر كبير من التمكن من أساليب العرب، من خبر، وإنشاء، وتقديم وتأخير، وذكر وحذف، وفصل ووصل..فإن تشر الأديب جميع هذه الفنون خرج كلامه مطبوعًا، بلا تكلف، وبلا عناء، ينساب من قلمه انسياب الماء من في السقاء، فمن فرط ثقته بنفسه، وامتلاكه لنواصي الكلام الجيد، لم يعد بحاجة للتعقيد، أو الإبهام، والتعمية، والأسلوب مفتاح شخصية الكاتب، ويدل مدى انسجامه مع ذاته، ومع بيئته، يقول الناقد الفرنسي (بوفون): الأسلوب الرجل، فالكاتب الموهوب هو الذى يملك الأسلوب المختلف، المتميز، هو الذى يمكنك أن تتعرف عليه من خلال مقالته أو قصته أو قصيدته، هو الذى يشعرك كلما قرأت له أن هناك كيانًا مستقلا يحاورك، فهو ذو طابع خاص، ونكهة، وبصمة مميزة.
خامسًا:
 الصور البيانية أما عن الصور البيانية فهي كثيرة ومبثوثة في أرجاء النص ما بين استعارات، وكنايات، وتشبيهات، ومجازات..وقد نوع الشاعر في ذلك كله تنويعًا كبيرًا، مستخدمًا أجمل ما في البيئة الأندلسية من عناصر، وقد ذكرنا بعضها أثناء تعليقنا المباشر على الأبيات، ويستطيع الطالب أن يستكشف هذا عالم الجمال، والبهاء بمفرده، وببساطة.
سادسًا:
الوحدة الموضوعية لم يكن بدعا على نونية ابن زيدون أنها تقتفي أثر الشعر العربي الأصيل، ويكفي أن نشير هنا إلى كثرة ما هاجر من كتب إلى الأندلس، فيها من الدواوين عدد جم وبخاصة دواوين الجاهليين والأمويين والمجموعات الشعرية الهامة كالمفضليات وشعر الهذليين والنقائض..، ولهذا نجد ابن زيدون لم يكن له أن يخرج عما سار عليه الأولون من الشعراء، والذين كان شعرهم عبارة عن بستان جميل فيه أصناف من الأزاهير المتنوعة، والمختلفة، ولا ضير في ذلك أن يتميز الشعر الغنائي العربي بهذه الميزة، لأنها طبيعة هذا النوع من الشعر الذي لم يكن له ليتميز بهذه الخصيصة لولا أنه غنائي، لأنه بوح الوجدان، والمشاعر والأحاسيس، ولهذا نجد الشاعر يتنقل من فكرة إلى فكرة حسب الدفق العاطفي الذي يسيطر عليه لحظة انفعاله، ويأتي تبعًا لذلك ألا يشمل القصيدة الغنائية وحدة عضوية متكاملة، بالمفهوم المتعارف عليه في النقد الغربي، ولكننا في الوقت نفسه نستطيع أن نلمس وحدة نفسية شفيفة تغطي النص الغنائي كله، ويجدر القول هنا أن هذا النوع من الوحدة (العضوية) يجب توفرها في الشعر المسرحي، والقصصي، لأن طبيعته تقتضي التسلسل، والترتيب.

منقول

10 comments: